All Insights

ورشة التمكين الذاتي للمرأة: نحو استعادة القرار وصناعة المصير

March Program Update 16
Blog
byدنيا أوباهرى
onJuly 26, 2025

في إطار تنفيذ مشروع "تعزيز مشاركة المجتمع المدني والجامعة - جهة الشرق"، وبدعم من الصندوق الوطني للديمقراطية، نظمت مؤسسة الأطلس الكبير، بشراكة مع جامعة محمد الأول والعيادة القانونية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة، ورشة عمل تفاعلية بعنوان: "التمكين الذاتي للمرأة" لفائدة طالبات العيادة القانونية، وذلك خلال الفترة الممتدة من 14 إلى 17 يوليوز 2025 بمدينة وجدة، تحت إشراف وتأطير الخبيرة والمدربة مريم آيت حفيظ.

تأتي هذه الورشة في سياق يتزايد فيه الوعي بضرورة التمكين الشامل للمرأة، ليس فقط على المستويات القانونية والسياسية والاقتصادية، ولكن أيضًا على مستوى التمكين الداخلي، الذي يُعدّ القاعدة الأساسية لكل تطور فردي وجماعي. فالتمكين الذاتي هو ما يسمح للمرأة بأن تمتلك زمام حياتها، وتعيد تشكيل مسارها بعيدًا عن التمثلات التقليدية والأحكام المسبقة التي تحدّ من إمكانياتها.

الهدف الأساسي من هذه الورشة كان مرافقة النساء في مسار من الاستكشاف العميق لذواتهن، من خلال بناء وعي جديد قائم على الحرية، والمسؤولية، والقدرة على اتخاذ القرار. وقد تم ذلك عبر مراحل مدروسة، اعتمدت على مقاربة تشاركية، وتمارين عملية، ومساحات مفتوحة للتعبير والمشاركة.

ما ميّز هذه الورشة هو أنها لم تعتمد فقط على تقديم معلومات نظرية أو محاضرات جاهزة، بل سعت إلى خلق تجربة عيش وتحول نفسي وفكري، من خلال إشراك النساء في رحلة داخلية تتخللها تمارين، تأملات، نقاشات، وتفاعلات جماعية، تهدف جميعها إلى تفكيك المعيقات الذهنية والنفسية التي تحول دون تحقيق الذات.

أحد المفاهيم المحورية التي تم الاشتغال عليها هو أن القيود ليست دائماً خارجية. فالعديد من النساء يحملن داخليًا معتقدات سلبية عن أنفسهن، وعن قدراتهن، وعن حقهن في الحلم. هذه المعتقدات لا تقل قيدًا عن القيود المجتمعية. من هنا، جاءت الورشة لتُعيد طرح السؤال الجوهري: من الذي يتحكم في حياتي؟ وهل أعيش الحياة التي أريدها حقًا، أم فقط أستجيب لما يُنتظر مني؟

طوال أيام الورشة، مررنا بمراحل متعددة، أبرزها ما سُمي بـ"رحلة استكشاف الذات"، والتي قُدمت كمجموعة من المحطات التي تمثل الجوانب الأساسية في حياة المرأة، مثل المشاعر، العلاقات، الجسد، المال، العمل، والأبعاد الروحية. لم يكن الهدف هو إعطاء أجوبة، بل خلق وعي نقدي يمكن كل واحدة منا من مساءلة المسلّمات، والتفكير في بدائل صحية ومُحرِّرة.

هذا المسار، الذي جمع بين العمق والتحفيز، سمح للمشاركات بالتواصل مع أنفسهن على نحو لم يعشنه من قبل. كثيرات عبرن عن مشاعر قوية، واسترجعن لحظات من الألم، أو التردد، أو الصمت الطويل الذي فرضته عليهن السياقات الاجتماعية أو التجارب الشخصية. ومع ذلك، لم يكن الهدف هو البكاء على ما مضى، بل تحويل الألم إلى وعي، والوعي إلى قوة.

خلال الورشة، شعرنا بأننا لسنا وحدنا. كل مشاركة كانت تعيش صراعات شبيهة، تساؤلات متقاربة، ومعاناة صامتة. وقد ساعد هذا الوعي الجماعي على خلق نوع من الأخوة النسائية داخل المجموعة، حيث أصبح كل صوت مسموعًا، وكل قصة محترمة، وكل رأي مرحّبًا به. هذه الروح التشاركية هي التي منحت للورشة بعدها الإنساني العميق، وحولتها من مجرد تدريب إلى مساحة شفاء وتحرر.

من الجانب البيداغوجي، كان أسلوب التأطير الذي اعتمدته المدربة مريم آيت حفيظ جد مميز. حيث مزجت بين التمكن المعرفي، والتقنيات النفسية، والحضور الإنساني القوي. لم تفرض محتواها، بل رافقت المشاركات في رحلة بناء جماعي للمعرفة. كان حضورها محفزًا، وطاقتها داعمة، وقدرتها على الاستماع والتفاعل خلقت أجواء من الثقة والأمان الضروريين لأي تحول داخلي.

من الناحية الشخصية، أعتبر مشاركتي في هذه الورشة نقطة تحول حقيقية. لقد غيرت نظرتي لنفسي، وجعلتني أعيد تقييم اختياراتي، وأفكر بشكل أكثر وعيًا في مستقبلي، في رغباتي، وفي حياتي ككل. اكتشفت أنني أملك أكثر مما كنت أظن، وأن خوفي كان أكبر عائق أمام خطواتي. شعرت بأنني استرجعت صوتي، ورغبتي، وحقّي في الحلم، بل وتعلمت أن الحلم لا يكفي، بل يحتاج إلى خطة، وجرأة، واستمرارية.

إن ورشة التمكين الذاتي للمرأة لم تكن مجرد نشاط تكويني، بل تجربة إنسانية عميقة. أعادت لكل واحدة منا علاقتها بجسدها، بعقلها، بمشاعرها، وبحياتها. لقد أثبتت أن التمكين ليس قرارًا يُمنح، بل مسار يُبنى من الداخل، يتطلب الصدق مع الذات، الجرأة في المواجهة، والشجاعة في التغيير.

هذه الورشة كانت تأكيدًا جديدًا على أن التكوين الحقيقي لا يقوم على تلقين المعلومات، بل على فتح مسارات للتفكير والتساؤل والتغيير. كما أبرزت أهمية المقاربات النفسية والوجدانية في بناء نساء قادرات على التغيير، ليس فقط في أنفسهن، بل في محيطهن ومجتمعاتهن.

في زمن تتعالى فيه الأصوات من أجل تمكين المرأة، علينا ألا نغفل عن تمكينها من الداخل، من وعيها بذاتها، ومن قدرتها على الحلم والتخطيط والتنفيذ. وهذه الورشة كانت نموذجًا فعليًا لهذا النوع من التمكين العميق، الصادق، والمستدام.