All Insights

مواجهة ندرة المياه الحادة: رؤية مغربية

Water
Publication
byYossef Ben-Meir
onAugust 21, 2024

في المغرب، أدت ست سنوات متتالية من الجفاف الشديد إلى ارتفاع صاروخي في أسعار المواد الغذائية الأساسية، مثل اللحوم وزيت الزيتون. ففي السنوات الأخيرة، لم يعد من الممكن التنبؤ ببداية موسم الأمطار، بحيث أصبح من الصعب تحديد بداية الموسم الفلاحي بشكل دقيق أو معرفة ما إذا كانت الأمطار ستتساقط بالفعل. كما أن هذه الظروف قد تشير إلى أننا نواجه مرحلة جديدة من التغير المناخي التي تتطلب منا التأقلم لمواكبة هذه التحديات المتزايدة.

وفي الوقت نفسه، يمكن للإبداع البشري والإطارات الوطنية المغربية لتحقيق الاستدامة أن تلعب دورا محوريا في التخفيف من تداعيات أزمة الجفاف. يمتلك المغرب القدرة على تجاوز هذه الأزمة، حيث يمكن للتجربة المغربية في التعامل مع أزمة الجفاف أن تقدم دروسا قيمة للدول الأخرى التي تواجه تحديات مماثلة في ندرة المياه.

تتوافر جميع الإطارات الوطنية الأساسية التي تهدف إلى تشجيع الأفراد على المستوى المحلي على التكيف وإظهار مرونة ملحوظة في مواجهة التحديات. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تؤدي شدة الجفاف، التي تتطلب استراتيجيات تكيف محددة، إلى تعزيز تفعيل المواثيق والسياسات والبرامج التي وضعها المغرب مسبقا، والتي تهدف إلى إشراك الأفراد في إدارة الموارد الطبيعية. من الجدير بالذكر أن المجتمعات المحلية التي تتبنى نهجا يجمع بين مبادئ التنمية المستدامة والإجراءات الديمقراطية التشاركية في معالجة أزمة المياه يمكنها تحقيق هدفها الوطني المتمثل في إنشاء إدارات لامركزية. وفي هذا السياق، فإن التعاون بين الشركاء المحليين من القطاعين العام والخاص في تنفيذ المبادرات المحلية يعزز بشكل ملحوظ فعالية نظم الإدارة اللامركزية.

تعتبر استثمارات المغرب الوطنية في مشاريع تحلية المياه وغيرها من المشاريع الضخمة التي تسعى إلى تعزيز إمدادات المياه وتوزيعها بشكل استراتيجي لتحقيق التوازن الجهوي من بين الاستثمارات الاستثنائية، وفقا للمعايير الدولية المتعارف عليها. هذه الاستثمارات لا تقتصر على تلبية احتياجات المياه فحسب، بل تشكل أيضا قاعدة أساسية لتحقيق الانتقال نحو الإدارة اللامركزية، مما يتيح للمغرب تقديم الدعم للمناطق الأكثر احتياجا على الصعيد الوطني. وفي هذا السياق، يواصل المغرب، تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، سعيه لتحقيق أهدافه الطموحة في ظل الظروف الصعبة الحالية، من خلال دمج هذه المبادرات الكبيرة مع مشاريع الطاقة المتجددة والاحتياجات الملحة المعترف بها على الصعيد الوطني.

ومع ذلك، يبقى التسيير المجتمعي للفرص المحلية والبنية التحتية للمياه الجديدة والمرممة تحديا صعبا بسبب نقص التحفيز الكافي لتعبئة الجهود القروية على نطاق واسع من أجل تحقيق نجاح أكبر. وتتجلى عملية التنمية المستدامة التي يتبناها المغرب في تنفيذ مشاريع أنظمة مائية يتم تحديدها محليا، حيث تهدف هذه المشاريع إلى تعزيز الحفاظ على المياه مع زيادة الإنتاجية. يتجسد هذا النهج في تجمع رجال ونساء المناطق القروية التي تعاني من ندرة المياه في أماكن مختلفة -كما جرت العادة- لمناقشة التحديات التي يواجهونها سواء كأفراد أو كجماعات. تشمل هذه المناقشات مختلف جوانب حياتهم، بما في ذلك العلاقات الاجتماعية، والعمل، والمال، بالإضافة إلى القضايا الصحية، والتعليمية، وفرص كسب العيش. فمن خلال التأمل في العوائق الداخلية ونقاط القوة والعمليات الاستكشافية الذاتية التي تحدد مستقبلهم والمشاريع التي يرغبون في تنفيذها، عادة ما تقود هذه التجربة الأفراد في المناطق القروية إلى التركيز على قضايا مياه الشرب والري، بالإضافة إلى ضمان توفير المياه بشكل مستدام. ويعتبر نهج التخطيط التشاركي، الذي يعتمد على تحديد المجتمع المحلي لأهدافه التنموية ووضع خطط عمله والالتزام بمواكبة مشاريعه لضمان ديمومتها على المدى الطويل العامل الأساسي لضمان الاستدامة.

في المغرب، لا تقتصر هذه العملية على كونها جزءا من ميثاق المجالس البلدية، الذي ينص على مشاركة أعضاء المجالس المحلية وسكان المنطقة في إعداد خطط طويلة وقصيرة الأجل، بل تشكل أيضا الأساس الذي يعتمد عليه في تمويل المشاريع في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. علاوة على ذلك، فإن مفهوم الإدارة اللامركزية للتنمية مدمج في الدستور الوطني، ويعزز الاعتراف بدور المرأة كمحرك رئيسي للتنمية في مدونة الأسرة التي تشهد تطورا مستمرا.

في ظل استمرار أزمة الجفاف الحادة هذه، التي نأمل تجاوزها، يتعين على المغرب أن يعزز استثماراته في الاستراتيجيات الوطنية المتعلقة بالاستدامة المجتمعية بشكل مكثف. يتطلب هذا الأمر تدريب عدد كبير من الأفراد، بدءا بآلاف المرشدين الزراعيين وحراس الغابات، وصولا إلى آلاف طلاب الجامعات ومعلمي المدارس القروية، وكذلك أعضاء المجالس البلدية والمجتمع المدني، إضافة إلى القادة المجتمعيين والدينيين. يهدف هذا التدريب إلى تحسين مهاراتهم في تيسير الحوار التشاركي التفاعلي، وتنفيذ أنشطة التمكين للأفراد والمجموعات، وتخطيط المبادرات المحلية ذات الأولوية.

تشمل هذه المبادرات بشكل خاص مشاريع تجميع المياه وتعزيز الاستفادة منها، مثل بناء الأحواض وخزانات المياه، وإنشاء شبكات توزيع المياه، وأنظمة الري بالتنقيط. ومن الضروري أيضا إنشاء مئات الآلاف من المدرجات الزراعية وزراعة مئات الملايين من الأشجار المحلية، التي تساهم في احتباس المياه وتعزيز تدفقها ببطء، مما يحول دون فقدان مياه المغرب الثمينة بسبب الجريان السطحي، إذ أن الأشجار تساهم في حفظ المياه بشكل فعال.

وفي نفس السياق، يجب أن يتجاوز تمويل جمعيات وتعاونيات المجتمع المحلي المتخصصة في إدارة المياه واستخدامها بكفاءة نطاق وزارة الفلاحة وحدها، بل ينبغي أن تُعطى هذه المسألة أولوية بارزة في الميزانيات المخصصة عبر مختلف الوزارات، مع التركيز بشكل خاص على المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. وبالنظر إلى أن مشاريع البنية التحتية للمياه تُعتبر من بين الأكثر تكلفة والتي تحظى بالأولوية على الصعيد المحلي، يتعين على المبادرة خفض متطلبات التمويل التي تشترط نسبة 25 بالمئة من المساهمات المجتمعية، والتعاون في صياغة مقترحات المشاريع مع الجماعات المحلية خاصة في ظل الاهتمام الوطني بمعدلات الأمية في المناطق القروية، وذلك لتسهيل وصول المستفيدين إلى التمويل وضمان فعالية دعم المبادرة.

يتطلب تحقيق التنمية المستدامة في المغرب، من خلال مجموع الإطارات العامة التي تدمج مشاركة الناس في إدارة هذه المشاريع، أن يقوم الميسرون بدورهم في تقديم الدعم اللازم لتصميم وتنفيذ مشاريع البنية التحتية للمياه. كما أن تعزيز وتطوير آليات التمويل سيكون له أثر بالغ في تسهيل عمليات التوريد والشراء اللازمة لإتمام هذه المشاريع بنجاح.

من خلال هذا النهج، وبفضل المبادرات الرائدة التي يقودها المجتمع المحلي في مجال المشاريع المائية اللامركزية لمواجهة أزمة الجفاف الحادة، سيعزز المغرب نموذجه التنموي ويعمل على توسيع تأثيره. وبذلك، سيصبح مثالا يُحتذى به للدول الأخرى، مجسدا الدور الحيوي للمشاركة المجتمعية في تحقيق تغييرات جذرية وتحويل الأزمات إلى إلى فرص لتحسين الواقع.

الدكتور يوسف بن مير هو رئيس مؤسسة الأطلس الكبير، مراكش، المغرب.