All Insights

بناء شراكات إنسانية: التنمية كرحلة مشتركة

IMG 2010
Blog
byMariam Ait Hfid
onDecember 25, 2024

من خلال عملي مع مؤسسة الأطلس الكبير، خضت رحلة غنية بالتعلم والتأمل، رحلة غيرت الكثير من الأفكار المسبقة و التمثلات المتعلقة بالمناطق القروية في المغرب التي تعاملنا معها لاحقا. لقد منحتني هذه التجربة فرصة فريدة للتعمق في حياة سكان هذه المناطق و التعرف على التحديات التي يواجهونها، فقد وقفت على صعوبات كثيرة لديهم و عاينت حجمها، لم تكن صعوبات تتعلق بظروف العيش القاسية فقط، بل تشمل أيضًا الأفكار والمعتقدات التي تقيدهم وتحد من قدرتهم على تحقيق الحياة التي يطمحون إليها. كانت هذه الرحلة أيضًا فرصة للعمل معًا لإيجاد حلول حقيقية ومستدامة تُحدث تأثيرًا إيجابيًا وملموسًا في حياتهم.

التنمية المستدامة ليست مجرد تقديم حلول مؤقتة، بل هي التزام طويل الأمد يُبنى على فهم عميق لاحتياجات الناس وظروفهم. في كل مشروع ، كان الهدف الأول دائمًا هو العمل يدا بيد مع السكان المحليين، والاستماع إليهم لفهم ما يهمهم حقًا ,ما يحتاجونه,تطلعاتهم ،أحلامهم و ما يطمحون إليه . عندما عملنا على مشروع المياه الصالحة للشرب ومياه السقي الذي يعد من المشاريع المستجيبة للإحتياجات المستعجلة و ذات الأولوية بعد زلزال 8 شتنبر, في مجموعة من الدواوير في جماعة أغبار بإقليم الحوز، أدركت عمق تأثير هذه المشاريع التي قد تبدو بسيطة في ظاهرها، ولكنها عظيمة في تأثيرها.

كانت رؤية الأطفال وهم يحصلون على مياه نظيفة قريبة من منازلهم، بدلا من قضاء ساعات طويلة في جلبها، لحظة غيّرت مفهومي لمعنى التنمية. لن أنسى يوما ، ما عشته في دوار ايك ، خلال تسيير ورشة الدعم النفسي رفقة النساء ، حين جاء سي العربي (قائد مجتمعي بجماعة اغبار إقليم الحوز) بشاحنة محملة بالماء الصالح للشرب ،و استأذنت النسوة لإيقاف الورشة من أجل الحصول على الماء للشرب ، فذهبنا حاملات لحاويات المياه، و الأطفال من حولهن حاملين قنينات و اتجه الجميع نحو الشاحنة محتشدين كسرب نحل حول الخلية،,للحصول على ماء يقال أنه صالح للشرب. لم تكن هذه المشاريع مجرد تحسينات في ظروف العيش، بل كانت فرصًا للأسر للتركيز على التعليم والعمل والعيش بأمان بدلًا من القلق اليومي بشأن الأساسيات.

IMG 3257 1

سي العربي رفقة نساء دوار ايك خلال ورشة الدعم النفسي الاجتماعي.

قضيت حوالي ثمان أشهر وأنا أعمل في هذه المناطق، وعلّمتني تلك التجربة درسًا كبيرًا في الصدق والشفافية. كنت دائمًا حريصة على أن أكون صادقة في كل خطوة، سواء تعلق الأمر بما هو تقني أو التحديات التي تواجه تنزيل هذه المشاريع أو بالصعوبات التي تواجه الأسر المحلية في هذه المناطق، فهم يدركون جيدا متى تكون النوايا حسنة و حقيقية، وعندما شعروا أننا لا نعمل فقط بشكل ميكانيكي جاف لإيجاد حلول، بل لأننا نهتم لأمر كل فرد منهم، أصبحوا شركاء حقيقيين في هذه الرحلة, كان الحوار معهم دائمًا مليئًا بالعاطفة والاحترام، وكل لقاء كان نافذة لفهم أعمق لثقافتهم، طريقة عيشهم، احتياجاتهم وتطلعاتهم.

كانت هذه الرحلة فرصة للعمل معًا لإيجاد حلول حقيقية ومستدامة تُحدث تأثيرًا إيجابيًا وملموسًا في حياتهم، وهي دليل على مدى اهتمامنا العميق ورغبتنا الصادقة في مد يد العون لهم. فكل خطوة نخطوها معهم هي تأكيد لإيماننا بأن التغيير يبدأ عندما نكون شركاء حقيقيين في مسيرتهم. هذه الرغبة في العمل المشترك لا تتوقف عند مجرد تقديم الدعم، بل تمتد إلى تحقيق تطلعاتهم وطموحاتهم، والسير قدما معهم نحو الإزدهار، بعيدًا عن القيود التي تحد من إمكانياتهم. ان التزامنا لا يتعلق فقط بتقديم الحلول لهم، بل أيضًا بالاستماع إليهم وفهم احتياجاتهم، و هذا يعكس إيماننا بأن التغيير المستدام يتحقق عندما نعمل معًا بروح التعاون.

أن بناء العلاقات ليس جزءا من العمل فقط، بل أساسه و ركيزته. كان العمل مع نساء من مناطق مثل الحوز تجربة غنية بشكل خاص فقد اكتشفت فيهن قوة، إصرارا، دعما لمن حولهن و رغبة عميقة في التعلم و التطور , .عند الجلوس معهن و الاستماع لقصصهن حول التحديات التي واجهناها والأحلام التي يحملنها، ندرك أن قوتنا في هذه المشاريع تأتي من تلك القصص. لالة فاطمة الثمانينية التي بقيت صامدة من أجل حفيدها دو الأربع سنوات و الناجي الوحيد في أسرته بعد الزلزال…أمل التي بدأت مشروعها من داخل خيمة في أمزميز …فاطمة، الطاهية التي أطعمَت الجميع من مطبخٍ متواضع تحت الأشجار.

شعرت أن كل زيارة ميدانية لم تكن مجرد مهمة أخرى لإنجازها، بل فرصة لتوثيق علاقة، وفهم كيف يمكن أن نكون جزءًا من قصة النجاح التي يكتبونها بأيديهم في مخيلاتهم.

بالطبع، لم تكن الرحلة خالية من التحديات. في بعض الأحيان، كان من الصعب رؤية النتائج الفورية. هناك أوقات شعرت فيها أن الجهود قد تستغرق وقتًا أطول مما توقعنا، ولكن في كل مرة كنت أذكر نفسي أن التغيير الحقيقي لا يأتي سريعًا. الصبر كان درسًا رئيسيًا تعلمته؛ فالثقة تحتاج وقتًا لتُبنى، والعلاقات تحتاج إلى الكثير من العمل، والمشاريع تحتاج الى تفانٍ لضمان استدامتها.

ما أذهلني أكثر هو قوة الإرادة التي يتمتع بها سكان هذه المناطق التي عملنا معها. على الرغم من التحديات التي تواجهها يوميًا، هناك دائمًا إصرار على تحسين حياتهم وحياة أبنائهم، هذه الروح الإيجابية كانت بالنسبة لي مصدر إلهام دائم.

كل هذه التجارب علّمتني أن التنمية ليست مجرد أرقام ونتائج، بل هي قصص إنسانية تربطنا ببعضنا البعض, تتطلب منا أن نكون حاضرين بكل مشاعرنا، أن نستمع، أن نفهم، وأن نعمل بشغف وحب.

العمل مع مؤسسة الأطلس الكبير لم يكن مجرد وظيفة؛ كان رحلة إنسانية عميقة. علّمتني هذه الرحلة أن التغيير الحقيقي يبدأ عندما نجمع بين القلوب والعقول، عندما ننظر إلى المجتمعات ليس فقط كأفراد يحتاجون إلى الدعم، بل كشركاء قادرين على صنع التغيير.