All Insights

السياسة الوطنية لإدماج المهاجرين بالمغرب

IMG 9810
Blog
byعبد الحكيم بن سوسان
onMay 30, 2025

ردا على التحول الذي عرفه المغرب من دولة عبور إلى بلد استقرار للمهاجرين، خاصة من دول جنوب الصحراء، عملت الدولة على بلورة استراتيجية شاملة للهجرة، انطلقت بإصدار تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي دعا إلى نهج شراكة متعددة الأطراف من أجل فهم الظاهرة ووضع سياسات عادلة. واستجابة لذلك، أمر الملك محمد السادس بوضع سياسة جديدة للهجرة ذات بعد إنساني ومنسجمة مع الدستور والالتزامات الدولية، والذي لاقى ترحيبا دوليا بحيث تم اتخاذ تدابير عملية لتنفيذ توصيات التقرير بالشراكة مع مختلف الفاعلي.

وفي هذا الإطار أعطى جلالة الملك توجيهاته إلى الحكومة بإعداد سياسة هجرة قائمة على مقاربة شاملة، وهو ما أدى إلى إحداث أربع لجان فرعية: لتسوية الوضعية القانونية، ودراسة طلبات اللجوء، وتأهيل الإطار القانوني، وتعزيز التعاون الدولي، كما أُعيد فتح مكتب اللاجئين وعديمي الجنسية سنة 2020 بالتعاون مع المندوبية السامية للاجئين، مما شكل تحولا في سياسة المملكة تجاه اللاجئين. كما ساهمت وزارة التربية الوطنية في تمكين أبناء المهاجرين من ولوج التعليم، دون اعتبار لوضعهم القانوني، وتم لأول مرة إحداث قطاع حكومي مكلف بشؤون الهجرة، وتم تقييم السياسة الوطنية للهجرة استنادا إلى التزامات المغرب الدولية ومبادرة التحالف الإفريقي من أجل الهجرة والتنمية، القائمة على تقاسم المسؤولية والربط بين الهجرة والتنمية.

مفهوم الاندماج وأهم النظريات المرتبطة به

ساهمت موجات الهجرة المتزايدة بعد الحرب العالمية الثانية في توجيه اهتمام علماء النفس نحو دراسة آثارها النفسية، معتبرين أن الثقافة تمثل عاملا حاسما في التأثير على الصحة النفسية للمهاجر، كما نال مفهوم الاندماج اهتماما بارزا في الفكر السوسيولوجي نظرا لارتباطه الوثيق ببنية المجتمع، حيث يشكل أحد مقومات قيام المجتمع ذاته، ويظهر هذا المفهوم كنتاج للتحولات الاجتماعية الكبرى، إذ يطرح الفكر السوسيولوجي تصورات متعددة للحياة الاجتماعية تنعكس من خلال أنماط الاندماج ، لذلك لا يمكن فهم الاندماج الاجتماعي إلا ضمن العلاقة الجدلية بين المجتمع والدولة، إذ يمثل مرآة للبنية الاجتماعية، ولا يعزى غيابه إلى الأفراد وحدهم بل إلى اختلالات بنيوية تمس مختلف الفاعلين، من أفراد ومجتمعات ودول، مما يفرض التصدي للإقصاء وتعزيز الاندماج كخيار مشترك.

ويشير الحقل التداولي للمفاهيم إلى تداخلها مع عدة مجالات معرفية وتوسيعها لمدى المقارنة، مما يعمق فهم الحق في العودة إجرائيا. وتتنوع المقاربات السياسية للمفهوم بحسب النظرة إلى السياسي وطبيعة التوظيف السياسي. وقد تحدث "هبرماس" عن مفهوم "الاحتواء" في إطار تواصلي ومؤسساتي يهدف إلى تحرير وإدماج المهمشين دون عزلهم ضمن جماعات منغلق. ويعد عنصر "المقبولية" شرطا أساسيا لتحقيق الاندماج، خصوصا في ظل تحولات اجتماعية واقتصادية تؤثر في العدالة الاجتماعية، كما ورد في تقرير الخمسينية. وتساهم نظريات الاستيعاب والتعددية الثقافية في فهم تعقيدات ولاءات المهاجرين وتجاربهم، مع الإقرار بوجود "العنصرية الثقافية" كمحدد أيديولوجي.

ويظهر من دراسة "روبرت بوتنام" Robert D. Putnam أن ارتفاع نسبة المهاجرين يؤدي إلى انخفاض الثقة المتبادلة في المجتمعات المستقبِلة، كما يبرز الاهتمام المتزايد بالمهاجرين في المغرب الطابع المتعدد الأبعاد لظاهرة الهجرة، التي تشمل الجوانب الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، الإنسانية، الثقافية، والأمنية، ما جعلها محط اهتمام منظمات حقوق الإنسان. وقد أُنتجت نماذج نظرية لفهم اندماج المهاجرين، رغم محدودية بعضها، في ظل الحاجة إلى نموذج تكاملي. ويستوجب الاندماج شروطا منها: درجة من الهوية أو الولاء المشترك، إمكانيات التفاعل الاقتصادي والاجتماعي، والتوازن في المكاسب والخسائر مع تعاظم القدرة السياسية والاقتصادية والعسكرية.

السياسة الوطنية لإدماج المهاجرين

ترتكز الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء على مقاربة شمولية تهدف إلى إدماج المهاجرين سوسيو-اقتصاديا، عبر سياسة تدمج الأبعاد السياسية، القانونية، الأمنية، والتنموية، بعيدًا عن الاقتصار على المنظور الأمني. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى ضمان حقوق المهاجرين وفقا للدستور المغربي، مع تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين غير النظاميين، حيث أسفرت العملية الاستثنائية لسنة 2014 عن تسوية وضعية 23.096 مهاجرا من أصل 27.649 طلبا، بنسبة إنجاز بلغت %83، وتكررت العملية سنة 2017 بتسوية أكثر من 20.000 حالة من أصل 28.000.

كما تسعى هذه الاستراتيجية إلى إدماج المهاجرين في التعليم، حيث استفاد 5.545 مهاجرا في الموسم الدراسي 2017، و2729 فتاة سنة 2018 من برامج الدعم المدرسي، إضافة إلى تسجيل 300 مستفيد في التعليم غير النظامي، وتقديم دروس دعم لحوالي 315 طفلا مهاجرا خلال سنة 2017-2018.

وفي المجال الثقافي، نظمت النسخة الثانية من "أسبوع المهاجر" في دجنبر 2017 لتعزيز الاندماج الثقافي ودعم التفاعل بين المهاجرين والمجتمع المغربي، أما في ميدان التشغيل، فقد تم تسجيل 1.758 مهاجرا لدى وكالات التشغيل بين 2015 و2018، وتم إدماج 49 منهم في سوق العمل، كما استفاد 23 مهاجرا من خدمات المواكبة في التشغيل الذاتي التي وفرتها الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات.

التحديات الأمنية والتعاون الدولي في مجال الهجرة

في سنة 2014، شرع المغرب في تنفيذ عملية لتسوية وضعية المهاجرين غير النظاميين على أراضيه، مستندا إلى ضرورة توفر وثائق الهوية وجواز السفر، وذلك بهدف ضبط تدفقات الهجرة، وتعزيز الأمن الداخلي، وتقديم حلول عملية لسياسات الإدماج الاجتماعي وعلى الرغم من إقرار استراتيجية وطنية شاملة في مجال الهجرة واللجوء، إلا أن المغرب واجه تحديات معقدة.

ويضطلع المغرب بدور أساسي في توجيه سياساته الداخلية والخارجية بفضل موقعه الجغرافي باعتباره نقطة عبور رئيسية ومحطة جذب للمهاجرين من دول الجنوب. وقد رسخ المغرب علاقات اقتصادية وسياسية وثيقة مع الاتحاد الأوروبي منذ سنة 1985، وتوجت بمنحه الوضع المتقدم سنة 2008، هذا الموقع جعله مستقبِلا رئيسيا للمهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، في ظل تحول بلدان المغرب العربي من دول مصدرة للهجرة إلى أراضٍ للعبور أو الاستقرار المؤقت والدائم. ومن جهة أخرى، ساهمت سياسات الاتحاد الأوروبي، لا سيما اتفاقية شنغن، في تصاعد ظاهرة الهجرة جنوب–جنوب، حيث يمكث عدد كبير من المهاجرين في دول المغرب لفترات طويلة قبل محاولة العبور إلى أوروبا. وتضاف إلى هذه الظاهرة أبعاد أمنية وسياسية مرتبطة بالأوضاع غير المستقرة في بلدان المصدر، وتداعيات السياسات الأوروبية المتشددة وصعود الأحزاب اليمينية المناهضة للهجرة.

وباتت الهجرة تمثل إشكالية مركبة تتداخل فيها اعتبارات العلاقات المغربية–الأوروبية مع قضايا البطالة والاستقرار السياسي والاجتماعي. وقد أدى تزايد حالات العنف ضد المهاجرين إلى توتر العلاقات السياسية بين الضفتين، لاسيما في ظل استمرار الخلافات حول قضايا الحدود البحرية والعلاقات مع إسبانيا. كما يسعى المغرب إلى الاندماج في التكتلات الإقليمية الإفريقية، مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS)، وهو ما يفرض عليه اعتماد سياسات هجرة أكثر مرونة وانفتاحا. وبالتالي، لم تعد الهجرة قضية محصورة في أبعادها الأمنية أو القانونية، بل أصبحت ملفا متعدد الأبعاد يتطلب تعاونا دوليا وثيقا وشراكات استراتيجية.

ويواجه المغرب، بصفته نقطة وصل بين إفريقيا وأوروبا، تحديات أمنية متزايدة بفعل ارتفاع أعداد المهاجرين غير النظاميين القادمين من دول تشهد صراعات مسلحة مثل سوريا وليبيا ومالي، كما تنشط في هذه المناطق شبكات تهريب البشر، والاتجار غير المشروع بالأسلحة والمخدرات، إضافة إلى تهديدات مرتبطة بالإرهاب وقوارب الهجرة السرية. وفي مواجهة هذه التحديات، تبنى المغرب سياسة أمنية استباقية، وأبرم شراكات أمنية متعددة مع عدد من الدول الأوروبية، وفي مقدمتها فرنسا، من خلال اتفاقية التعاون الأمني الموقعة سنة 2000 وتشمل هذه الاتفاقية ميادين متعددة، من ضمنها مكافحة الإرهاب، ومحاربة التهريب والاتجار غير المشروع بالبشر والمخدرات، وتأمين وسائل النقل، وغيرها من المجالات الأمنية الحساسة.

المساعدة القانونية للمهاجرين من جنوب الصحراء

يعاني المهاجرون المعوزون من صعوبات في ولوج مرفق العدالة، مما يستدعي تمكينهم من محامين ومترجمين مؤهلين، وفقاً لمقتضيات مرسوم 1966 بشأن المساعدة القانونية. وتشمل هذه المساعدة توفير الدفاع، الترجمة، والإعفاء من الرسوم القضائية، بشراكة مع جمعيات ومنظمات حقوقية. وفي هذا الإطار، أصدرت وزارة العدل دورية موجهة للنيابات العامة لتعزيز الوعي بالخدمات المتاحة وضمان حماية حقوق المهاجرين.

وقد مكن هذا البرنامج المهاجرين من الاستفادة من المساعدة القانونية بما في ذلك توفير محام من خلال عقد مساعدة قانونية وقضائية مع إحدى الشركات، وخدمة الترجمة والإعفاء من الرسوم القانونية بموجب المادة 1 من المرسوم الملكي المتعلق بالمساعدة القضائية، ولقد استفاد من هاته الخدمات 200 مهاجرا سنة 2016.

وفي ما يخص النساء ضحايا العنف، تم تسجيل 120 امرأة في مراكز قطاع التعاون الوطني بمدينة الرباط، كما استُقبلت 58 امرأة منهن في جلسات للاستماع والتوجيه. أما في إطار برنامج المساعدة الاجتماعية والإنسانية، فقد استفاد منه 2525 مهاجرًا من خدمات قطاع التعاون الوطني خلال الفترة الممتدة بين سنتي 2017 و2018. وعلى صعيد المشاريع ذات الطابع الاجتماعي والإنساني، بلغ عدد المستفيدين حوالي 18,000 شخص سنة 2014، و10,000 شخص خلال سنة 2015.

وفي إطار توزيع المساعدات الأساسية استفاد 700 مهاجر في كل من مدينتي فاس ومكناس سنة 2014 من هذه المساعدات بالإضافة إلى 2210 مستفيد من نفس المواد في جميع أنحاء المغرب سنة 2016، و3300 مهاجر في الرباط والدار البيضاء وطنجة في الفترة الممتدة من 1 أبريل 2016 إلى 31 ديسمبر 2017. كما استفاد 50 مهاجرا بالغا من الفئات الضعيفة من المساعدة المتعلقة بالسكن في حالات الطوارئ، والمساعدة الطبية والنفسية الاجتماعية، والرعاية المستعجلة سنة 2018.

وفي إطار مشروع "التمكين القانوني للمهاجرين «Empowerment Juridique des personnes migrantes» تم تقديم 971 خدمة، بما في ذلك 371 خدمة متعلقة بالمساعدات الغذائية والرعاية الصحية و325 خدمة تتعلق بالمشورة القانونية للمهاجرين لصالح 678 مستفيدًا (بما فيهم 296 امرأة، و329 رجلا، و45 قاصرا و8 بنات)، سنة 2019.

وفي إطار تعبئة الخدمات ومراكز الاستقبال في قطاع التعاون الوطني من أجل حماية السكان المعرضين للخطر، ولا سيما المهاجرين، من عدوى وباء كورونا المستجد سنة 2020، فقد استفاد ما يقرب من 2140 مهاجرًا، بما فيها 31,40٪ من النساء، من العديد من الخدمات الاجتماعية (الإقامة، والمطاعم، والملابس، والبطانيات، ومنتجات النظافة، والمتابعة الطبية، والتدريب المهني، والمساعدة الاجتماعية، إلخ...).

تشكل السياسة الوطنية لإدماج المهاجرين بالمغرب نموذجا متقدما يعكس التزام المملكة بحقوق الإنسان، وتوجهها نحو بناء مجتمع متماسك ومنفتح. فهي سياسة تنطلق من رؤية شمولية تراعي البعد الإنساني والاقتصادي والاجتماعي، وتستند إلى مقاربة تشاركية تجمع بين الدولة والمجتمع المدني والشركاء الدوليين. غير أن تحقيق أهداف هذه السياسة يظل رهينا بقدرة الفاعلين المؤسساتيين على ترجمة المبادئ المعلنة إلى برامج فعالة ومستدامة، تستجيب لتحديات الاندماج الفعلي وتضمن للمهاجرين حقوقهم كاملة، في إطار احترام سيادة القانون وتعزيز قيم التعايش والتنوع الثقافي.

وفي هذا الإطار، فإن النجاح الفعلي للسياسة الوطنية لإدماج المهاجرين لا يمكن أن يتحقق فقط عبر النصوص التشريعية والمبادرات المؤطرة، بل يستلزم إرادة سياسية قوية، وآليات مؤسساتية مرنة، وتعبئة شاملة لجميع المتدخلين من سلطات عمومية ومجتمع مدني وشركاء دوليين، كما أن ترسيخ ثقافة الإدماج يتطلب جهدا طويل الأمد في مجالات التربية والإعلام والتكوين، بما يضمن تجاوز الصور النمطية والأحكام المسبقة، ويعزز من فرص التعايش الإيجابي والتضامن المجتمعي.

ومن جهة أخرى، فإن التحديات المرتبطة بالهجرة، سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي، تفرض على المغرب الاستمرار في تحديث وتقييم سياسته العمومية في هذا المجال، بما يضمن استجابتها للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية المتسارعة، فالهجرة لم تعد مجرد ظاهرة طارئة، بل أصبحت معطى بنيويا يتطلب تعاملا استراتيجيا مبنيا على استشراف المستقبل وحماية الحقوق، في توازن مع المصالح الوطنية.

وفي الأخير، تبقى السياسة الوطنية لإدماج المهاجرين رهانا حضاريا وإنسانيا بامتياز، يعكس التزام المغرب بتعزيز مكانته كبلد استقبال آمن ومنفتح، ويجسد مساهمته الفعلية في صياغة نموذج إقليمي للهجرة قائم على التضامن والتوازن والاحترام المتبادل.

تم إنجاز هذا المقال في إطار حملة التوعية القانونية التي يقودها طلبة الدفعة الأولى المشاركين في برنامج العيادة القانونية بوجدة، في إطار برنامج "تعزيز المشاركة بين المجتمع المدني والجامعة - جهة الشرق"، الذي تنفذه مؤسسة الأطلس الكبير والممول من الصندوق الوطني للديمقراطية (NED). ويهدف البرنامج إلى تعزيز التعاون بين الجامعات ومنظمات المجتمع المدني، وتزويد الطلبة بالمهارات العملية لمعالجة القضايا الاجتماعية والقانونية وتعزيز الوعي المجتمعي بجهة الشرق. المحتوى يعكس وجهة نظر الكاتب ولا يُمثّل بالضرورة موقف الجهات الداعمة أو المنفذة.