All Insights

نحو عدالة إنسانية القانون رقم 43.22

March Program Update 37
Blog
byسهب شيماء
onSeptember 23, 2025

خلال الفترة الممتدة بين سنتي 2021 و2025، شهد المغرب تحولا نوعيا في منظومته الجنائية بإصدار القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، في إطار مسار إصلاحي شامل يروم تحديث النظام القضائي وتقليص الاعتماد المفرط على العقوبات السالبة للحرية، التي أثبتت محدودية أثرها في تحقيق الردع. وتعد العقوبات البديلة من أبرز الآليات الحديثة في السياسة الجنائية، إذ تهدف إلى الحد من الآثار السلبية المترتبة عن الحرمان من الحرية، خاصة في الجرائم ذات الخطورة المحدودة، وذلك عبر تكريس احترام الكرامة الإنسانية، والحد من مشكلات الاكتظاظ وظروف الاعتقال غير الملائمة، وضمان التناسب بين العقوبة والفعل المرتكب. 

كما تتيح هذه الآلية فرصا حقيقية لإعادة الإدماج الاجتماعي، باعتبارها تمكن المحكوم عليه من إعادة تأهيل ذاته والمساهمة في خدمة المجتمع دون عزله عزلا تاما، وهو ما يشكل ترجمة عملية لالتزامات الدولة في مجال حقوق الإنسان، من خلال الموازنة بين حماية المجتمع وضمان حقوق الأفراد.

وفي هذا السياق، دخل القانون المذكور حيز النفاذ في الثاني والعشرين من الشهر الماضي، حيث نص الفصل 35-1 منه على تعريف العقوبات البديلة بأنها " العقوبات التي يحكم بها بديلا للعقوبات السالبة للحرية في الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها من أجلها خمس سنوات حبسا نافذا"، وإقدام المشرع على تقديم تعريف تشريعي صريح يعني انه لم يترك تحديد المفاهيم لاجتهادات الفقه والقضاء، وهذه المبادرة تعكس إرادة واضحة في تجنب أي لبس محتمل عند التطبيق العملي، وضبط نطاق سريان العقوبات البديلة بشكل دقيق.

يستفاد من هذا التعريف أن العقوبات البديلة محصورة في نطاق الجنح التي لا تتجاوز عقوبتها خمس سنوات، مع استبعاد الجنح المرتبطة بالعود و استنادا للفصل 35-3 تم استثناء بعض الجرائم  مثل : ( الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي والخارجي، الجرائم المالية الكبرى، الجرائم المتعلقة بالاتجار بالبشر بما في ذلك الاستغلال الجنسي للقاصرين أو الأشخاص في وضعية إعاقة والجرائم العسكرية)، كل ما يفهم ضمنا أنها تطبق فقط على الأشخاص البالغين، انسجاما مع ما يقرره قانون المسطرة الجنائية بخصوص سن المسؤولية الجنائية المحددة في ثمانية عشر سنة. الأمر الذي يؤكد أن المشرع لا يرمي إلى التخفيف المطلق من العقوبات، وإنما إلى وضع آلية مرنة تراعي خطورة الفعل والجاني معا، وتوازن بين أهداف الردع العام والخاص ومتطلبات الإدماج الاجتماعي، في انسجام مع المبادئ الدستورية والالتزامات الدولية للمغرب في مجال حقوق الإنسان. 

تختلف العقوبات البديلة عن العقوبات الإضافية في أن الأخيرة تفرض إلى جانب العقوبة الأصلية، وتشمل تقييد بعض الحقوق المدنية والسياسية وغيرها من الحقوق التي يراها المشرع ضرورية للحد منها على المحكوم عليه. وقد عرفها المشرع المغربي في الفصل 14 من مجموعة القانون الجنائي بأنها عقوبات تعتبر إضافية عندما لا يصدر الحكم بها بشكل مستقل، أو عندما تنتج عن الحكم بعقوبة أصلية. كما حصر المشرع أنواع العقوبات الإضافية في الفصل 36 من نفس القانون. ومن هنا، يتضح الفرق الجوهري بين العقوبات الإضافية والعقوبات البديلة، إذ تعد العقوبات البديلة عقوبات أصلية تصدر بشكل مستقل، وتحل محل العقوبات السالبة للحرية، بهدف تفادي سلبيات الحبس وتعزيز إعادة تأهيل المحكوم عليه وإدماجه في المجتمع.

ضمن هذا الورش الجديد تم النص في القانون رقم 43.22 على مجموعة من العقوبات البديلة التي يمكن للقضاء تطبيقها بدلا من الحبس، بهدف تحقيق إصلاح المحكوم عليه وإعادة إدماجه في المجتمع. ويمكن تصنيف هذه العقوبات إلى أربعة أقسام، العمل من أجل المنفعة العامة، المراقبة الإلكترونية، التدابير الرقابية والعلاجية والغرامة اليومية.

فيما يخص العمل من أجل المنفعة العامة، يلزم المحكوم عليهم البالغين 15 سنة فأكثر بأداء أعمال غير مدفوعة الأجر لصالح الدولة أو الجماعات الترابية أو المؤسسات والجمعيات ذات النفع العام، مع تحديد ساعات العمل وفقا لخطورة الجريمة وملاءمة قدرات المحكوم عليه. أما المراقبة الإلكترونية، تعتمد على أجهزة تكنولوجية لمتابعة تحركات المحكوم عليه وضمان إقامته في مكان محدد خلال ساعات معينة، مع وضع آليات لعقوبة المخالفة وحق الفحص الطبي لضمان سلامة المحكوم عليه وتعتبر هذه العقوبة تحديا نضرا للجانب التجهيزي الذي يعاني منه المغرب في هذا المجال. 

تم النص كذلك على التدابير الرقابية والعلاجية، التي تشمل مزاولة نشاط مهني، الإقامة في مكان معين، الخضوع للرقابة، التعهد بعدم الاتصال بالضحايا، العلاج النفسي، وتعويض الأضرار، مع متابعة الإدارة المكلفة بالسجون وتطبيق العقوبة الحبسية الأصلية في حال الإخلال بها. وفي الأخير نجد الغرامة اليومية التي تفرض بديلا عن الحبس وتحدد مبلغا لكل يوم من مدة العقوبة الحبسية، مع مراعاة الإمكانيات المادية وخطورة الجريمة، وشرط وجود صلح أو تنازل من الضحية، مع إمكانية تقسيط المبلغ للمحكوم عليهم غير المعتقلين، وتطبيق الحبس الأصلي في حال الإخلال بالدفع. 

لقد أضحت العقوبات البديلة إحدى الركائز الأساسية في منظومة العدالة الجنائية الحديثة، لما أثبتته من فعالية في تجاوز نقائص العقوبات السالبة للحرية في بلدان أخرى، خاصة ما يرتبط بالاكتظاظ السجنى، وتفاقم السلوك الإجرامي، وصعوبة الإدماج الاجتماعي للمحكوم عليهم. ومن ُم، فإن القانون رقم 43.22 يشكل خطوة رائدة في تكريس سياسة جنائية متوازنة تراعي في الآن ذاته متطلبات الردع وحماية المجتمع وضمان حقوق الأفراد وإعادة تأهيلهم. غير أن نجاح هذا الورش التشريعي يبقى رهينا بمدى فعالية تنزيله العملي، مع ضرورة مواجهة التحديات المرتبطة بالبنية التحتية والموارد البشرية والتصور المجتمعي للعقوبات البديلة.

قدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان في هذا الإطار جملة من التوصيات التي من شأنها تعزيز فعالية هذا النظام وضمان تكامله، ويمكن إجمالها فيما يلي:

  • تطوير البنية التحتية والمؤسسات المكلفة بالتنفيذ من خلال توفير أطر مؤهلة وآليات فعالة للتتبع والمراقبة.
  • تخصيص برامج للتكوين والتوعية موجهة للقضاة وأعوان التنفيذ وكذا للمحكوم عليهم، بغرض ترسيخ ثقافة العقوبات البديلة وتشجيع الانخراط المجتمعي في إنجاحها.
  • إدماج البعد التربوي والتأهيلي في تنفيذ العقوبات البديلة لضمان تحقيق الإصلاح الفعلي وإعادة الإدماج المستدام.
  • تعزيز الضمانات الحقوقية والقانونية للمحكوم عليهم بالعقوبات البديلة بما يكفل كرامتهم ويصون حقوقهم الأساسية.
  • إرساء آليات للتنسيق المؤسسي بين القضاء وباقي المتدخلين، بما في ذلك السلطات الإدارية والجمعيات المدنية، لضمان نجاعة التطبيق.
  • إعطاء عناية خاصة لفئة المدمنين عبر توسيع نطاق العقوبات البديلة ليشمل تدابير علاجية و إدماجية، تقوم على مقاربة صحية واجتماعية بدل الاقتصار على المعالجة العقابية.
  • مراعاة وضعية الأشخاص المسنين عند تنفيذ العقوبات البديلة، من خلال تكييف التدابير مع قدراتهم الجسدية والصحية، بما يضمن احترام كرامتهم ويعزز العدالة الإنسانية.
  • توسيع نطاق تطبيق العقوبات البديلة ليشمل بعض حالات العود البسيطة والجنح ذات الخطورة المحدودة، مع احترام مبدأ التناسب. 

يتضح أن اعتماد العقوبات البديلة في التشريع المغربي لم يعد مجرد توجه نظري، بل أصبح ممارسة قضائية فعلية، تعكس تحول السياسة الجنائية نحو منطق أكثر إنصافا وإصلاحية. فقد عرفت التجربة العملية أولى تطبيقاتها في عدة محاكم، حيث أصدرت المحكمة الابتدائية بأكادير في غشت 2025 حكما باستبدال العقوبة الحبسية بغرامة يومية في قضية تتعلق بالشيك بدون رصيد، كما أصدرت المحكمة الابتدائية بالفقيه بن صالح حكما بعقوبة الخدمة للمنفعة العامة في قضية سرقة بسيطة، في حين لجأت المحكمة الابتدائية بأزيلال إلى استبدال عقوبة الحبس بغرامة يومية في قضية تتعلق بالإيذاء غير العمدي إثر حادثة سير. 

هذه الأمثلة القضائية تعكس بداية تفعيل القانون الجديد على نحو عملي، وتؤشر على إرادة مؤسساتية في جعل العقوبات البديلة آلية لتحقيق التوازن بين متطلبات الأمن المجتمعي من جهة، وضمان صون كرامة الإنسان والحد من الآثار السلبية للاعتقال من جهة أخرى. وهو ما يمثل خطوة تأسيسية نحو عدالة جنائية إصلاحية، قوامها إعادة الإدماج الاجتماعي بدل الاقتصار على الردع والزجر، في انسجام مع الالتزامات الدولية للمغرب في مجال حقوق الإنسان.

تم إنجاز هذا المقال في إطار حملة التوعية القانونية التي يقودها طلبة الدفعة الأولى المشاركين في برنامج العيادة القانونية بوجدة، في إطار برنامج "تعزيز المشاركة بين المجتمع المدني والجامعة - جهة الشرق"، الذي تنفذه مؤسسة الأطلس الكبير والممول من الصندوق الوطني للديمقراطية (NED). ويهدف البرنامج إلى تعزيز التعاون بين الجامعات ومنظمات المجتمع المدني، وتزويد الطلبة بالمهارات العملية لمعالجة القضايا الاجتماعية والقانونية وتعزيز الوعي المجتمعي بجهة الشرق. المحتوى يعكس وجهة نظر الكاتب ولا يُمثّل بالضرورة موقف الجهات الداعمة أو المنفذة.