Toutes les idées

تدبير الهجرة في الجهة الشرقية للمملكة بين النص القانوني والممارسة الميدانية

March Program Update 7
Blog
byأمال بوحسون
onJune 19, 2025

تُعد الجهة الشرقية للمملكة المغربية نقطة استراتيجية وحساسة في مسارات الهجرة، لا سيما غير النظامية القادمة من إفريقيا جنوب الصحراء، نظراً لموقعها الحدودي مع الجزائر كمعبر رئيسي إلى الداخل المغربي ومن ثم أوروبا. هذه الدينامية المعقدة عكست تحديات إنسانية واجتماعية كبيرة، دفعت المغرب إلى تطوير إطاره القانوني والسياسي لمواكبة هذه الظاهرة.

في بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة، كشفت تقارير عدة عن الوضع الصعب الذي يعيشه المهاجرون في هذه الجهة، قبل أن تتبلور الاستجابة القانونية والسياسية. ومن أبرز هذه التقارير تقرير منظمة أطباء بلا حدود (MSF) الصادر سنة 2012، حيث أورد أن المهاجرين في المغرب، خاصة القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، يعانون من تصاعد العنف اليومي، خصوصًا في مدن وجدة والناظور. وتشهد مناطق وجودهم مداهمات أمنية متواصلة تزيد من هشاشة وضعهم. ويعيش هؤلاء المهاجرون في ظروف صعبة داخل الغابات والكهوف، معرضين للأمراض وسوء التغذية والعنف الجسدي والنفسي، إضافة إلى مخاطر الاستغلال من قبل شبكات تهريب البشر.

وقد أكد التقرير أن أطباء بلا حدود هي المنظمة الوحيدة التي توفر الرعاية الطبية لهؤلاء المهاجرين في الجهة الشرقية، خصوصًا في مدينتي وجدة والناظور، حيث تُعالج 44% من الحالات الصحية المرتبطة بسوء المعيشة. كما أشار التقرير إلى أن المهاجرين في المغرب غالبًا ما يكونون في وضعية قانونية غير نظامية، ما يضاعف من مخاطر تعرضهم للاعتقال والترحيل إلى الحدود الجزائرية، حيث يُجبرون على عبور الحدود مجددًا في ظروف مهينة. ونبّه التقرير إلى أن غياب حضور فعلي للمنظمات الدولية في المنطقة يزيد من تدهور أوضاع هؤلاء المهاجرين، ودعا المجتمع الدولي، خاصة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، إلى تحمل مسؤولياته في مراقبة احترام حقوق الإنسان في إطار سياسات ضبط الهجرة.

هذا الواقع المأساوي أظهر محدودية الإطار القانوني والتنظيمي الذي كان موجوداً آنذاك، وغياب آليات فعالة لحماية حقوق المهاجرين، خاصة الفئات الهشة منهم كالنساء الحوامل والأطفال غير المرافقين. كما بيّن غياب التنسيق بين الجهات الرسمية والمنظمات الدولية، مما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني وعدم الاستقرار الاجتماعي.

استجابةً للتحديات المتزايدة التي أفرزها تدفق المهاجرين والضغوط الدولية والداخلية المرتبطة بحقوق الإنسان، بادر المغرب إلى تحديث منظومته القانونية ذات الصلة بقضايا الهجرة، خاصة بعد صدور دستور المملكة المغربية لسنة 2011، الذي نص صراحة على ضمان الحقوق والحريات الأساسية لجميع الأفراد فوق التراب الوطني، بمن فيهم الأجانب المقيمون بالمغرب. وأقر تمتع الأجانب بالحريات الأساسية المعترف بها للمواطنين المغاربة، في إطار احترام القانون، الأمر الذي يكرس مبدأ المساواة وعدم التمييز، ويعزز كرامة الإنسان.

كما أكد على ضمان الأمن الشخصي لكل فرد، من خلال منع القبض، أو الاعتقال، أو المتابعة، أو الإدانة، إلا وفق الحالات والإجراءات المنصوص عليها قانونًا. ويمتد هذا الحق ليشمل الأجانب كذلك، بما يضمن لهم الحماية القانونية والمعاملة العادلة في كافة مراحل الإجراءات القضائية.

ومن جهة أخرى، نص الدستور ضمن مبادئه العامة على توفير معاملة إنسانية متساوية لجميع الأشخاص دون تمييز بسبب الأصل، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الجنسية. وهو ما يعكس التزام المملكة بالمعايير الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، ويترجم عمليًا من خلال تمتيع الأجانب المقيمين فوق التراب الوطني بحقوق الصحة والتعليم والعمل والولوج إلى العدالة، وفق مقتضيات قانونية واضحة ومحددة.

وفي هذا السياق، صدر القانون رقم 02.03 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب وبالهجرة غير المشروعة، ليؤطر شروط دخول الأجانب إلى المغرب وإقامتهم به، وكذا المساطر المتبعة في حالات الإبعاد. إذ ألزم في المادة الثالثة من هذا القانون الأجانب بضرورة التوفر على الوثائق النظامية والتأشيرات المسبقة، بينما حددت المواد من 10 إلى 19 إجراءات الإقامة ومنح بطاقات التسجيل وتجديدها وسحبها. كما منحت المادة 21 السلطة الإدارية المختصة صلاحية إصدار قرارات الاقتياد إلى الحدود في حالات محددة، مع تمكين المعنيين بالأمر من حق الطعن القضائي أمام المحاكم الإدارية، الذي يتيح إمكانية تقديم طلبات لوقف تنفيذ قرارات الإبعاد.

ورغم الطابع الزجري الذي يتسم به هذا القانون، خاصة من خلال تجريم إقامة الأجانب في وضعية غير قانونية (المادة 42) وتجريم شبكات تهريب المهاجرين (المادة 50)، فقد تضمن مجموعة من الضمانات الأساسية، مثل منع إبعاد الفئات الهشة، كالحوامل والأشخاص في وضعيات صحية حرجة (المادة 29)، وضمان حماية الأجنبي المهدد بالطرد من الترحيل القسري إذا أثبت خطورة عودته، من خلال السماح له بالإقامة الجبرية داخل المغرب مع متابعة أمنية دورية (المادة 31). ويهدف هذا القانون إلى إرساء توازن دقيق بين متطلبات تنظيم وضبط حركة الأجانب ومحاربة الهجرة غير النظامية من جهة، وضمان حماية الحقوق الأساسية للمهاجرين واللاجئين فوق التراب الوطني من جهة أخرى، وذلك انسجامًا مع الالتزامات الدولية للمملكة.

توازياً مع هذا القانون، تبنى المغرب في سنة 2013 سياسة وطنية جديدة للهجرة واللجوء، حظيت بإشادة دولية لنجاحها في تحقيق توازن بين الأبعاد الإنسانية والأمنية والتنموية. فمنذ 2013، اعتمد المغرب سياسة شاملة لتسوية أوضاع المهاجرين، وإدماجهم السوسيو-اقتصادي، وتحديث الإطار القانوني، وهذا ما حوله من بلد عبور إلى بلد استقبال. وقد منحت عمليتا التسوية لسنتي 2014 و2017 الإقامة لأزيد من 50 ألف مهاجر، مع إحداث مؤسسات وهيئات داعمة. كما عزز المغرب حضوره الإفريقي والدولي في قضايا الهجرة، من خلال تنظيم مؤتمر مراكش 2018 وتقديم أجندة إفريقية للهجرة.

ورغم التقدم المسجل، ما تزال تحديات تشريعية ومؤسساتية قائمة، تتطلب تسريع الاصلاحات وتوسيع التنسيق الترابي لضمان استدامة هذه السياسة في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة. ورغم هذه الجهود القانونية والسياسية، لا تزال الجهة الشرقية تواجه تحديات ملموسة تتعلق بالوضع الاجتماعي والاقتصادي للمهاجرين، حيث يعاني هؤلاء من نقص في السكن اللائق، وصعوبة الحصول على فرص العمل، وهشاشة في الخدمات الصحية، وقصور في التمدرس للأطفال المهاجرين. كما تستمر الأوضاع الأمنية في فرض ضغوط على هذه الفئة، مع تسجيل حالات مداهمات واعتقالات تعزز الشعور بعدم الاستقرار.

وقد كشفت تقارير هيومن رايتس ووتش سنة 2014 عن تعرض المهاجرين في المغرب، خاصة على حدود مليلية، لانتهاكات جسيمة من قبل القوات المغربية والإسبانية، شملت الاستخدام المفرط للقوة، والطرد التعسفي، وحرمانهم من الضمانات القانونية، حتى في حالة الأطفال غير المصحوبين. ورغم إعلان المغرب سنة 2013 عن سياسة جديدة للهجرة، استجابة لتوصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فإن تلك الانتهاكات استمرت، مما دفع المنظمة إلى توجيه دعوات متكررة للمغرب، والجزائر، وإسبانيا، والاتحاد الأوروبي من أجل احترام حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء، ووقف الطرد القسري والعنف الحدودي، مع توفير حماية خاصة للفئات الهشة، ولا سيما الأطفال.

وتبرز أهمية هذه الإشكالات بشكل أكبر في الجهة الشرقية للمملكة المغربية، لاكتسائها طابعًا استراتيجيًا في سياق تنفيذ مقتضيات القانون رقم 02.03 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب وبالهجرة غير المشروعة، وذلك بالنظر إلى موقعها الحدودي مع الجزائر، مما يجعلها نقطة عبور رئيسية للهجرة غير النظامية، سواء في اتجاه الداخل أو كنقطة انطلاق نحو أوروبا. وقد أدى هذا الوضع إلى تعزيز السلطات العمومية لآليات المراقبة الأمنية والإدارية بالمعابر الحدودية، مثل معبر زوج بغال ومناطق وجدة وبركان وجرادة، مع تفعيل المقتضيات الزجرية الواردة في القانون، خصوصًا الفصل 42 المتعلق بالإقامة غير القانونية، والفصل 50 المجرّم لتهريب المهاجرين.

غير أن هذا التعاطي الأمني الصارم لم يُلغِ التحديات الحقوقية المرتبطة بواقع المهاجرين، حيث تسجل الجهة الشرقية حضورًا لافتًا لفئات مهاجرة في وضعية هشة، مما يضع على عاتق المصالح المختصة مسؤولية ضمان الحقوق الأساسية التي يكفلها القانون رقم 02.03.

وفي ظل هذا السياق المتعدد الأبعاد، شهدت الجهة الشرقية دينامية متقدمة لتقوية الحماية الاجتماعية للمهاجرين وتعزيز اندماجهم، من خلال إطلاق عدد من المبادرات الميدانية النموذجية، كان أبرزها مشروع “Migra’CARE”، الذي يستهدف المهاجرين في وضعية صعبة بمدينتي وجدة وبركان، عبر توفير الرعاية الصحية، والتعليم، والدعم النفسي والاجتماعي، مع ضمان ولوجهم إلى الخدمات الأساسية وصون كرامتهم.

وتكريسًا لهذا التوجه الإنساني والحقوقي، تم يوم السبت 28 شتنبر 2024 بإقليم بركان إطلاق مشروع جديد تحت عنوان "المساهمة في تحسين ظروف عيش المهاجرين"، ضمن البرنامج الجهوي لمبادرات الهجرة (PRIM)، الممول من طرف الوكالة الفرنسية للتنمية والمنجز من قبل Expertise France. وينفذ هذا المشروع من طرف جمعية "عطاء بلا حدود بركان"، بشراكة مع ولاية جهة الشرق ومجلس جهة الشرق، ويهدف إلى تسهيل إدماج المهاجرين المنحدرين من دول جنوب الصحراء والنازحين العرب، من خلال تسوية أوضاعهم القانونية، وتأهيلهم المهني، وتشجيع إدماجهم في سوق الشغل، خاصة في القطاع الفلاحي، عبر دورات تكوينية نظرية وتطبيقية. ويُعزز هذا المشروع كذلك الجانب التوعوي، من خلال إنشاء شباك خاص للاستشارات القانونية، وتنظيم حملات تحسيسية بحقوق وواجبات المهاجرين، وقد شهد حفل إطلاق المشروع مشاركة واسعة من ممثلي المؤسسات العمومية، والهيئات المنتخبة، والمجتمع المدني، في تعبير واضح عن المقاربة التشاركية المعتمدة في تدبير قضايا الهجرة على المستوى الترابي، وفي تأكيد على التزام الجهة الشرقية بالموازنة بين الأبعاد الأمنية والتنموية والحقوقية لملف الهجرة.

وفي الإطار ذاته، وحرصًا على تعزيز الحقوق القانونية للمهاجرين وضمان ولوجهم المنصف إلى العدالة، تم سنة 2022 إحداث المرصد الإقليمي لتسهيل ولوج المهاجرين/ات إلى العدالة بجهة الشرق، كإحدى المبادرات المبتكرة المنبثقة عن مشروع "عدالة"، المنجز من طرف جمعية ثسغناس للثقافة والتنمية، بشراكة مع مختبر الدراسات القانونية والسياسية لدول البحر الأبيض المتوسط بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور، وبدعم من وكالة إكستريمادورا الإسبانية.

ويهدف هذا المرصد إلى رصد واقع المهاجرين في علاقتهم بالقضاء، وتوثيق العراقيل القانونية والإجرائية التي تحول دون ولوجهم المنصف للعدالة، خاصة بالنسبة للنساء والفتيات والقاصرين. كما يوفر معطيات علمية دقيقة لفائدة الباحثين وصناع القرار، ويعمل على تعزيز التنسيق بين المؤسسات العمومية والجمعيات الحقوقية. وقد أفضت أشغاله إلى إصدار توصيات محورية شملت تقريب المحاكم الإدارية من المتقاضين، وتعزيز عدد المترجمين القانونيين المختصين في قضايا الهجرة، ومراجعة القانون رقم 02.03 وملاءمته مع الاتفاقيات الدولية، إلى جانب ضمان الدعم النفسي والاجتماعي والصحي لضحايا العنف، وتقوية برامج التوعية القانونية لفائدة المهاجرين. ويُعد هذا المرصد تجربة عملية رائدة على مستوى جهة الشرق، تساهم في تتبع أوضاع المهاجرين ميدانيًا، ودعم السياسات المحلية والجهوية القائمة على معطيات موضوعية، في انسجام مع أهداف الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء.

يتّضح من خلال ما سبق أن الجهة الشرقية للمملكة تُجسّد نموذجًا ميدانيًا مركزيًا لتنزيل مقتضيات القانون رقم 02.03، في تقاطع دقيق بين المتطلبات الأمنية لمكافحة الهجرة غير المشروعة، والالتزامات الحقوقية الوطنية والدولية لحماية المهاجرين في وضعية هشاشة. غير أن التطبيق الميداني لا يزال يواجه صعوبات، ترتبط أساسًا بمحدودية البنيات الاجتماعية والإدارية، خاصة فيما يخص إيواء الفئات الهشة وضمان ولوجها العادل إلى الخدمات الأساسية.

وعليه، يوصى بتعزيز الإطار المؤسساتي بالجهة من خلال إحداث مراكز إيواء نظامية مطابقة للمعايير الدولية، وتقوية التنسيق بين السلطات المعنية والمجتمع المدني والهيئات الأممية، مع تفعيل حقيقي للمقتضيات الضامنة للحقوق في الفصول 26 و29 و31 من القانون، لاسيما فيما يتعلق بحقوق الأطفال غير المرافقين، والنساء الحوامل، وضحايا الاتجار بالبشر. كما يقترح مراجعة بعض المقتضيات الزجرية بالفصل 50، بما يحقق توازناً أفضل بين الأبعاد الأمنية والإنسانية.

تم إنجاز هذا المقال في إطار حملة التوعية القانونية التي يقودها طلبة الدفعة الأولى المشاركين في برنامج العيادة القانونية بوجدة، في إطار برنامج "تعزيز المشاركة بين المجتمع المدني والجامعة - جهة الشرق"، الذي تنفذه مؤسسة الأطلس الكبير والممول من الصندوق الوطني للديمقراطية (NED). ويهدف البرنامج إلى تعزيز التعاون بين الجامعات ومنظمات المجتمع المدني، وتزويد الطلبة بالمهارات العملية لمعالجة القضايا الاجتماعية والقانونية وتعزيز الوعي المجتمعي بجهة الشرق. المحتوى يعكس وجهة نظر الكاتب ولا يُمثّل بالضرورة موقف الجهات الداعمة أو المنفذة.