Todas las ideas

الخصوصية القانونية للتدابير المتخذة بشأن إصدار الشيك بدون رصيد

March Program Update 36
Blog
byبدر الادريسي
onSeptember 18, 2025

الشيك بين أداة الوفاء وتطور وظائفه والمخاطر القانونية المرتبطة به:

يُعد الشيك من أهم أدوات الوفاء في الحياة اليومية، سواء في المعاملات التجارية أو المدنية، إذ يحل محل النقود ويُعد الأكثر تداولا بين الأوراق التجارية رغم حداثته. وقد تطور دوره من مجرد وسيلة لسحب الودائع إلى أداة وفاء مستقلة تقوم بوظيفة النقود في المعاملات الداخلية والدولية، ما جعله الوسيلة المفضلة لتسوية الالتزامات بدلا من الدفع نقدا.

وإذا كان الشيك قد نشأ في الأصل كأداة لاسترداد المبالغ التي أودعها الساحب لدى المسحوب عليه أو للتصرف في المبالغ التي يضعها المسحوب عليه تحت طلب الساحب، فإنّ أهم وظائفه المعاصرة تتمثل في تسوية الديون بين الساحب والمستفيد، وكذلك بين المستفيد والحملة المتعاقبين للشيك. إذ يؤدي الوفاء بقيمة ذلك الشيك من جانب المسحوب عليه إلى إنهاء جميع الالتزامات الناشئة على عاتق الساحب والمظهرين وكل الموقعين بمناسبة التعامل به. ومع توسع دور البنوك، اتسع نطاق التعامل به بشكل ملحوظ، مما دفع معظم الدول إلى توحيد أحكامه، وهو ما تجسّد في انعقاد مؤتمر جنيف لعام 1931.

كما أسهمت التكنولوجيا الحديثة في ظهور الشيكات الإلكترونية، التي عززت دوره كوسيلة فعالة لتسهيل التعاملات وتقليل مخاطر حمل النقود كالسرقة أو الضياع.

ومع ذلك، فإن انتشار استعمال الشيك لم يخلُ من المخاطر، التي صنفها المشرع ضمن الجرائم المالية نظرًا لتأثيرها المباشر على الاقتصاد الوطني، وخصوصًا في ظل كثافة التعامل بالشيكات في الوقت الراهن. وعليه، أدرج المشرع الشيك ضمن مدونة التجارة إلى جانب الكمبيالة والسند لأمر، منظمًا أحكامه في نفس الكتاب، مع إضافة قواعد لم يرد ذكرها في اتفاقية جنيف الموحدة، بما يراعي المستجدات العملية ومتطلبات التعامل المعاصر بالشيك، وخصوصًا من الجانب الزجري. بحيث جرم المشرع إصدار الشيك بدون رصيد، وفقا للمادة 316 من مدونة التجارة والفصلين 540 و543 من مجموعة القانون الجنائي.

وتبرز أهمية الموضوع من زاويتين: نظريًا، لندرة الأبحاث المعمقة رغم اهتمام الفقهاء به؛ وعمليًا، لانتشار إصدار الشيكات بدون رصيد وما يترتب عليه من آثار سلبية على الاقتصاد الوطني، في ظل محدودية فعالية التدابير الردعية وتفاوت تطبيقها على أرض الواقع.

وتماشيا مع ما سبق، سنعرض الخصوصية القانونية للتدابير المتخذة تجاه إصدار الشيك بدون رصيد. فقد نص المشرع المغربي على مجموعة من الإجراءات التي يمكن تطبيقها على ساحب الشيك في حال عدم توفر الرصيد الكافي، وتشمل هذه الإجراءات: أولًا، المنع من إصدار الشيك، الذي قد يكون منعًا بنكيًا أو قضائيًا؛ وثانيًا، إمكانية فتح باب التسوية كآلية لتصحيح الوضع القانوني للساحب واستعادة حقه في إصدار الشيكات.

 التدابير القانونية تجاه إصدار الشيك بدون رصيد

أولا: المنع من إصدار الشيك

يتخذ شكل المنع من إصدار الشيك إحدى الطرق التالية:

المنع البنكي

هذا المنع لا يهم إلا حالة إصدار شيك بدون مؤونة أو بمؤونة غير كافية، ثم أن البنك ملزم بإصدار هذا المنع، لأن المشرع هنا استعمل عبارة "يجب" (المادة (313 من مدونة التجارة). وهكذا فمتى ثبتت هذه الحالة فإن البنك يصدر أمره إلى الساحب بإرجاع كل الشيكات التي بحوزته ومنعه من إصدار الشيكات طيلة مدة 10 سنوات (غير شيكات السحب أو الشيكات المعتمدة)، ويتم إخبار بنك المغرب بذلك. وتعد هذه المدة طويلة مقارنة بما كان منصوصًا عليه سابقًا في الاتفاقية البنكية الموقعة بين بنك المغرب والمجموعة المهنية للبنوك بتاريخ 29 نوفمبر 1989 والتي دخلت حيز التطبيق في 1 يونيو 1990، والتي كانت تحدد المنع لمدة سنة واحدة فقط قبل إلغائها بدخول قانون التجارة الجديد حيز التطبيق. .

غير أن بعض الفقه يرى أنه لا يجوز للمشرع أن يسمح لأي شخص من أشخاص القانون الخاص بأن يمنع شخصًا آخر من ممارسة حق من حقوقه الأساسية، وكان الأوجب أن أن يقتصر حق توقيع المنع من إصدار الشيك على القضاء بناء على طلب البنك أو المستفيد. وعلاوة على ذلك، فإن هذا المنع يتعارض مع سياسة المشرع التي نصّت عليها المادة 18 من مدونة التجارة، والتي تلزم كل تاجر، لأغراضه التجارية، بفتح حساب في مؤسسة بنكية أو في مركز الشيكات البريدية، وتسديد ديونه التجارية بشيك مسطر أو بتحويل في حال تجاوز المبلغ عشرة آلاف درهم (المادة 1/306 من نفس المدونة). وبناء على ذلك، يطرح تساؤل مشروع حول كيفية التوفيق بين هذه الأحكام القانونية ومنع البنك الوارد في المادة 313 . 

كما يتبين من قراءة المادتين 312 و313 من مدونة التجارة، فإن إيقاع المنع البنكي المؤدي إلى سقوط حق صاحب الحساب في استعمال صيغ الشيكات لا يمكن أن يتم إلا إذا رفض البنك الوفاء بمبلغ الشيك بسبب انعدام المؤونة أو لعدم كفايتها. وإذا قام البنك بالوفاء بالشيك، يسقط حقه في إيقاع المنع، حتى لو كان الوفاء قد تم نتيجة غلط أو تطبيقا لاتفاق سابق بين الساحب والمسحوب عليه، على أن يكون رفض الوفاء مرتبطًا بانعدام المؤونة أو نقصانها. أما إذا كان رفض الوفاء ناجما عن اعتراض صاحب الحساب على أداء الشيك أو نتيجة بطلان الشيك، فلا يمكن للبنك إيقاع المنع. وعليه، إذا توفر هذان الشرطان، وجب على المؤسسة البنكية توقيع المنع البنكي تحت طائلة تعرضها لجزاءات قانونية.

المنع القضائي

لا يقتصر هذا المنع على حالة إصدار شيك بدون مؤونة فحسب، بل يشمل جميع الحالات المنصوص عليها في المادة 316 من مدونة التجارة، مثل حالات التزوير وشيكات الضمان وغيرها. وعلى خلاف المنع البنكي، فإن المحكمة غير مجبرة على إصدار المنع، بل تملك سلطة تقديرية في ذلك، كما نصت صراحة المادة 317 من مدونة التجارة. فإذا قررت المحكمة الحكم بالمنع، فإنها تصدر أمرها إلى المسحوب عليه بإرجاع كل الشيكات التي بحوزته، والامتناع عن إصدار الشيكات طيلة مدة تتراوح بين سنة واحدة وخمس سنوات (باستثناء شيكات السحب أو الشيكات المعتمدة). كما أن للمحكمة الحق في أن تأمر بنشر ملخص الحكم بالمنع في الجرائد، وتلتزم في جميع الأحوال بإشعار بنك المغرب بهذا المنع.

ومن خلال ما سبق، يتضح أن حالات المنع القضائي أوسع نطاقا من حالات المنع البنكي، إذ لا يقتصر على الحالة المنصوص عليها في المادة 313 من مدونة التجارة، بل يمتد إلى جميع الجرائم المحددة في المادة 316. كما أن المنع القضائي يُعد عقوبة إضافية ذات طابع جوازي، تملك المحكمة أن تقضي بها أو لا تقضي بها. وينسحب المنع القضائي على المحكوم عليه سواء كان فاعلا أصليا أو مساهما في الفعل الموجب للجزاء وكذا على وكلائه.

غير أن الفقه قد انقسم بشأن مدى شمول المنع القضائي للشركاء في الحساب المشترك. فبينما يرى الفقيه أحمد شكري السباعي أن المنع يمتد إلى هؤلاء، يذهب الفقيه أحمد كويسي إلى أن هذا الرأي يتجاوز نطاق النصوص القانونية ويحملها ما لا تحتمل، على اعتبار أن المادة 317 حصرت المنع في المحكوم عليه ووكلائه فقط، لاسيما وأن نفس المادة تلزم المحكوم عليه بإرجاع صيغ الشيكات الموجودة في حوزته أو حوزة وكلائه إلى المؤسسة البنكية التي سلمتها له. فضلًا عن ذلك، فإن المؤسسات البنكية حينما تحرم صاحب الحساب من استعمال صيغ الشيكات تُبلّغ وكلاءه وأصحاب الحساب الآخرين بهذا الإجراء، فلو كان المنع القضائي ينسحب على أصحاب الحساب المشترك لألزم المشرع المحكمة بتبليغهم به صراحة. كما أنه ليس ثمة نص صريح يجعل المنع القضائي يشمل أصحاب الحسابات المشتركة كما هو الشأن بالنسبة للمادة 313 الخاصة بالمنع البنكي.

ثانيا: إمكانية فتح التسوية

وعيا من المشرع المغربي بأهمية الشيك في في المعاملات التجارية، ورغم ما يترتب عن جريمة إصدار شيك بدون رصيد من آثار سلبية على الاقتصاد الوطني. فقد نصت المادة 314 من مدونة التجارة على إلزام المخل بالوفاء، الراغب في استرجاع حقه في إصدار الشيكات، بأداء غرامة مالية تُحتسب بنسبة 5% من مبلغ الشيك أو الشيكات غير المؤداة موضوع الإنذار الأول، و10% من مبلغ الشيك أو الشيكات موضوع الإنذار الثاني، و20% من مبلغ الشيك أو الشيكات موضوع الإنذار الثالث وما بعده من الإنذارات اللاحقة.

يتضح من خلال إلزام صاحب الحساب بأداء الذعيرة المنصوص عليها في المادة 314 من مدونة التجارة، فضلًا عن الغرامة المالية المقررة في المادة 316 في حالة الإدانة الجنحية، أن المشرع المغربي اعتمد نهجا صارما في مواجهة الساحبين. ذلك أن إلزامهم بأداء ذعيرة مالية لاسترجاع حقهم في إصدار شيكات جديدة ينبغي، من الناحية المنطقية، أن يقتصر على الحالات التي لا تتم فيها متابعتهم جنحيًا. وهو الموقف الذي تبناه المشرع الفرنسي، إذ اشترط على الساحبين أداء الذعيرة المالية لاستعادة حقهم في سحب الشيكات عند إصدار شيك بدون رصيد، بعد أن رفع عن هذا الفعل صفة الجريمة. كما أن القانون الفرنسي أعفى الساحب من أداء الذعيرة إذا لم يصدر هو أو وكيله أي شيك آخر غير مؤدى بسبب عدم وجود الرصيد أو عدم كفايته خلال الاثني عشر شهرا الموالية للمخالفة، شريطة أن يثبت أنه قام داخل أجل شهر من تاريخ الأمر الموجه إليه بممارسة صلاحية التسوية. 

وخلال سنة 2020، ونظرا لظروف جائحة كوفيد 19، صدر مرسوم بقانون يتعلق بسن أحكام استثنائية تتعلق بالغرامات المالية الواجب أداؤها لاسترجاع إمكانية إصدار الشيكات، حيث تم تخفيض هذه الغرامات المالية لتصبح كما يلي: 

- %0.5 من مبلغ الشيك أو الشيكات غير المؤداة موضوع الإنذار الأول؛ 

- %1 من مبلغ الشيك أو الشيكات غير المؤداة موضوع الإنذار الثاني؛ 

- %1.5 من مبلغ الشيك أو الشيكات غير المؤداة موضوع الإنذار الثالث وكذا عليها في الإنذارات اللاحقة. 

إلى جانب ذلك، توجد حالة أخرى يتوقف فيها آثار المنع ولا يزول، وهي الحالة المنصوص عليها في المادة 625 من مدونة التجارة على أنه "حينما تكون المقاولة موضوع منع إصدار شيكات عن وقائع سابقة لحكم فتح التسوية، يمكن للمحكمة أن تأمر بوقف آثار المنع خلال مدة تنفيذ المخطط وسداد خصوم هذه المقاولة. يضع فسخ المخطط حدا لوقف المنع بقوة القانون...".

وفي الختام، حاولنا إبراز أبرز مظاهر مساهمة النظام القانوني لجريمة إصدار الشيك بدون رصيد، من خلال التدابير المقررة في مواجهة الساحب. غير أن ضمان نجاعة هذه التدابير يقتضي من المشرع المغربي إعادة النظر في الإطار القانوني المنظم للشيك، ولا سيما فيما يتعلق بمدة المنع من إصدار الشيكات، سواء تعلق الأمر بالمنع البنكي أو المنع القضائي. ويُستحسن، في هذا السياق، إلغاء نظام المنع البنكي والإبقاء على المنع القضائي باعتباره تدبيرًا إلزاميًا، لا مجرد إجراء وقائي إضافي.

تم إنجاز هذا المقال في إطار حملة التوعية القانونية التي يقودها طلبة الدفعة الأولى المشاركين في برنامج العيادة القانونية بوجدة، في إطار برنامج "تعزيز المشاركة بين المجتمع المدني والجامعة - جهة الشرق"، الذي تنفذه مؤسسة الأطلس الكبير والممول من الصندوق الوطني للديمقراطية (NED). ويهدف البرنامج إلى تعزيز التعاون بين الجامعات ومنظمات المجتمع المدني، وتزويد الطلبة بالمهارات العملية لمعالجة القضايا الاجتماعية والقانونية وتعزيز الوعي المجتمعي بجهة الشرق. المحتوى يعكس وجهة نظر الكاتب ولا يُمثّل بالضرورة موقف الجهات الداعمة أو المنفذة.