"مافتي تخيمتي" ؟ جملة بالحسانية مفادها السؤال عن حالتك الإجتماعية هل أنت متزوج أوليس بعد وإذا ما دققنا في الجملة نجد فيها كلمة خيمة أي أن الخيمة تعني الإستقرار وبناء الأسرة والأمان والتآلف.
الخيمة عند الصحراويين هي أحد رموز الهوية فهي تعد موروثا ثقافيا حسانيا أصيلا يجب المحافظة عليه من الاندثار، إذ إنهم يتوارثونه جيلا بعد جيل، فتجد الفتاة الصغيرة تربى وسط كنف جدتها وأمها وعماتها وهن يقمن بغزل الوبر أو صوف الماعز الذي يستعمل في صناعة الخيمة. فليس غريبا أن فتيات في عمر الزهور لهن القدرة على خياطة خيمة كاملة أو المشاركة في صنعها.
تعد صناعة الخيام واحدة من الأنشطة الرئيسية في الأقاليم الجنوبية وهي مصدر دخل لبعض العائلات وخاصة النساء. هذا العمل تمارسه النساء مع بعضهن البعض أو بشكل رسمي في إطار تعاونيات. بعد الفاجعة التي ألمت ببلادنا في بداية شهر شتنبر، تجندت هؤلاء النسوة وبشكل مضاعف لإنقاذ الوضع رغم ما خلفه هذا الزلزال من موتى ويتامى ومعطوبين وعائلات دون سكن، فالخيم هي الحل الأول والسريع لإيواء المتضررين. وذلك بمواكبة مؤسسة الأطلس الكبير حيث شرعت في طلب أزيد من 226 خيمة في أقل من 20 يوما، ولا زال الطلب مستمرا.
إن لهذه الخيام قصة ترويها لنا السيدة فاطمتو واحدة من النساء اللواتي يشاركن في صنع هذه الخيام ننقل لكم في هذا المقال تجربتها: إسمي فاطمتو وأبلغ من العمر 47 سنة. ولدت بمدينة الداخلة ونشأت بها حتى بلغت سن 19 فقررت أمي الانتقال لمدينة العيون بعد وفاة والدي. كبرت وأنا أستمتع في رؤية والدتي وصديقاتها يشتغلن في تحفة صنع الخيام بمختلف أنواعها وأحجامها، خيام كبيرة وصغيرة؛ خيام بالثوب أو بالوبر …ومع مرور الوقت أصبحت صناعة الخيام حرفة أتقنها فقد اعتدت عليها منذ نعومة أظافري.
بعدما تلقيت اتصالا من جارتي التي أخبرتني أن مؤسسة الأطلس الكبير أرسلت طلبا لصناعة 100 خيمة لمتضرري زلزال الحوز، شمرت على ساعدي، وبدون كلل ولا تردد؛ وبمساعدة جاراتي التي بلغ عددهن 23 امرأة تشتغل ليل نهار لتوفير العدد المطلوب في أقل من أسبوع، ثم تلقينا بعدها طلب توفير 200 خيمة في أقرب وقت، ثم بعد ذلك أخبرونا أن نصنع ثلاث خيام من الحجم الكبير بحيث تتسع للكراسي والمقاعد المدرسية لاستئناف الدراسة في بعض الدواوير. حاليا وفرنا 126 خيمة وما زلنا نشتغل على 200 خيمة أخرى. اشترينا المعدات الأساسية من الثوب والمعدات المتخصصة لصنع الخيام، كما تم تقسيم النساء إلى مجموعات لنتمكن من إنتاج هذا العدد في أسبوع بمعدل 40 خيمة في اليوم.
نتلقى أسئلة كثيرة عن تقنية صنع هذه الخيام. لكن أريد أن أوضح أن هناك عدة أنواع، فمنها التي نستخدم فيها التوب فقط ومنها التي نستعمل فيها الوبر. الأمر يعتمد على الطلب والغرض من الاستعمال، لكن الخيام التي نوفرها حاليا للمؤسسة مكونة من الأثواب الذي نقول له الخنط نجلبه غالبا من موريتانيا وأحيانا من السينغال لجودته وصلابته.
مبدئيا يجب أن يكون فضاء صنع الخيام كبيرا لنتمكن من فرش الخنط في الأرض، في الغالب نشتغل أمام منازل إحدى النساء. نقوم بفرش الثوب الأول (1) لونه أبيض، الذي يظهر في الخارج بحيث يعكس ضوء الشمس ولا يسمح للخيمة بامتصاص الحرارة للداخل، ثم نضع فوقه ثوبا سميكا أسود اللون (2)ثم الثوب المزركش (3) الذي نراه داخل الخيمة- نسميه نحن لركط -والذي يكون حسب الطلب إما مزركش أو ذو لون موحد.
نحتاج معدات تقليدية لجمع هذه الأثواب فمنها المخيط وهي الإبرة كبيرة الحجم التي يمكن أن تخترق الأثواب الثلاثة، كما نحتاج خيوطا سميكة والتي تُحْكِم الخيمة عند نصبها وتتبيثها بالأوتاد، أهم عنصرين هما الركائز والمسامك: الأولى ترفع سقف الخيمة، وغالبا ما تكون عصاتين أو ثلاث من الخشب تثبت بشكل متعاكس، والمسامك (5) هي مسامير كبيرة الحجم والتي تلعب دور الجدران في الخيمة إذ تثبت بقوة في الأرض .
آخر مرحلة من مراحل صنع الخيمة تسمى التجبير حيث يُجمع لركط وتجمع الحبال بالسقف ويسمى لْكْفة(6).
نفس الخيمة تستعمل صيفا وشتاء، فقط طريقة الاستعمال هي التي تخلف. ففي فصل الشتاء يجب التأكد أن الخيمة غير مائلة من جهة معينة أو أن أحد أجزاء السقف منخفض لتفادي دخول مياه الأمطار. أما في فصل الصيف يتم فتح جزء من الخيمة المعاكس للباب للتهوية وهذا ما نسميه نحن بأفايك.
بكل تفان وحماس وحب، لا زلنا نعمل على تعبئة الدفعة الجديدة من الخيام وكلنا إيمان بأن الإنسان الذي يترك أثرا طيبا لا يموت أبدا.
حجيبة بومسمار هي مديرة مشروع لدى جمعية مؤسسة الأطلس الكبير بمدينة الداخلة