جميع الأفكار

لنصنع الواقع الذي نحلم به

Fati
المدونة
byفاطمة المريني
onMarch 8, 2023

فاطمة المريني، مراقبة ميدانية للأشجار

لطالما اعتقدت أن مساعدة الناس هي غايتي ، فكلما ارتسمت ابتسامة على وجه شخص ما اشعران روحي ترقص من الفرح والبهجة . لقد خلقنا من أجل التعارف والتشارك من أجل مساعدة ومساندة بعضنا البعض ، فكيف سيكون الإنسان إنسانا دون التحلي بمشاعر الرفق واللين والشعور بمتاعب الآخرين فكما نحب أن نعامل علينا معاملة الناس ومراعاة مشاعرهم، فالبعض منا يحتاج في كثير من الأحيان مجرد مواساة وكلمة طيبة بإمكانها كسر هذا الألم وخلق مساحة من الأمان والاطمئنان في نفوسنا

لطالما كان حلمي ان اكون معالجة نفسية من أجل تحقيق السلام في نفوس البشر وخلق مزيد من الحب في هذا العالم، أن أكون أذن صاغية ومساحة أمان لهم . بالرغم من قساوة الحياة وان دراستي اتجهت لمنحى آخر خلاف ما حلمت به , لكنني تمسكت دوما بحلمي ووجدت الضوء عبر الشقوق . عملت مع مؤسسة الاطلس الكبير وكان هذا منبع ضوء يضيء حياتي ويحيي حلمي من جديد فكل هذا العمل كانت غايته دعم ومساندة الفلاحين في جميع بقاع البلد . عملت بجد وتفاني ورأيت أن هذا العمل هو ما حلمت به دوما ليس بالضرورة أن اكون معالجة نفسية لمساعدة الناس ، يمكنني ان اجلب الخير لهذا العالم بتوزيع الاشجار على آلاف الفلاحين وهذا يتأكد لي في كل مرة أرى بهجتهم باستقبال الأشجار . فكلما زرعت الخير نبت الخير وترعرع واعطى مزيدا من الخير هذا مبدأ في حياتي

بعد ذلك ظهر الخير مجددا من خلال فرصة ورشات التكوين للنساء بالقرى البعيدة وكانت هذه نقطة الانطلاق نحو مزيد من السلام والتعايش

يهدف هذا المشروع لمد يد المساعدة لنساء البوادي في الأماكن البعيدة جدا ، لماذا ؟ الجواب بسيط لأن هؤلاء النساء بعيدات كل البعد عن التطور والتغيير . انتقلت وزرت العديد من الأماكن والقبائل وكل ما اراه الكثير من المواهب والاحلام المدفونة ، يمكنكم ان تتخيلوا انهن لا يستطعن أن يحلمن او يتخيلن ايضا ، نعم انه لشيء محزن . إنهن لا يستطعن حتى ان يتخيلن واقعا أجمل فهن يمنعن أنفسهن من الحلم … يقبلن بالقليل لأنهن يرين ان الحلم كبير جدا عليهن وأنهن لا يستحققن حياة أفضل … هنا يأتي دورنا كنساء نحس بألمهن ايضا ونشاركهن أفكارهن وطموحاتهن والاهم من ذلك نستمع ونرشدهن للقيام بخطوة نحو المستقبل ، لعمل شيء طالما رغبن به ليعملن ويساعدن بعضهن البعض وليكن يدا واحدة

في ورشتنا الاخيرة التي قمنا بها كانت اول ورشة لي اقوم وتسهيلهابتسييرها كان الحمل ثقيلا والمسؤولية كبيرة لكن الشغف والدافع كان أقوى

فكرة إيصال المعلومة للنساء وزيادة الوعي لديهن كانت الدافع والمحفز ، عقدت هذه الورشة في قلعة مگونة دوار إيگيل نومگون بالضبط ، مدته أربعة أيام وسبعة محاور لمناقشتها وتسهيلها ، تتمثل في”

المشاعر، العلاقات ، العلاقات الجنسية، الجسد، المال ، العمل، الروحانيات

حضرت هذه الورشة أزيد من 25 امرأة , أغلبهن غير متمدرسات وهذا بحد ذاته كان يحز داخلي يجعلني أرغب في إعطائهن المزيد

أنظر الى نفسي وأحمد الله وأشكره فأنا على الأقل أتيحت لي فرصة التعلم، والله وحده كانت غايته أن أدرس وأتنقل لهذا المكان البعيد عن دياري فقط من أجل تعليمهن ولو قليلا من معرفتي المتواضعة . فحكمة الله هنا مذهلة جدا جعلتني أعيد النظر في حساباتي

طيلة هذه المدة مكثنا مع أسرة في الدوار لم تكن مجرد اسرة استقبلتنا، بل كانت كأنها بيتنا الثاني إذ احتضنونا بكل حب ورعاية فائقين . لم نشعر باننا بعيدون عن اهلنا او اننا في مكان غريب، بل بالعكس تماما لم نستطع مغادرة هذا المكان لولا ظروف العمل لمكثت مدة اطول هناك

بالرغم من عامل اللغة ايضا اللغة الامازيغية كانت لغتهم الأم لكنني أصررت على تعلمها والحمدالله كان التواصل سلسا وفعالا ولم نجد أي مشكل في ذلك . في كل محور ناقشناه كنا نجد أن هؤلاء النساء يحتجن دعما قويا في كل جانب من الجوانب السبعة ، أعلم أن هذه الاربعة أيام غير كافية فهن يحتجن دعما نفسيا كبيرا , لكن على الاقل حاولنا إعطاء أكبر قدر من الدعم والمساندة

لاحظت التغيير في هذه الاربعة أيام فبعض السيدات جئن اليوم التالي بشكل أنيق واعتنين بأنفسهن جيدا بعض محور الجسد مباشرة ، هنا سيظهر لكم انه كانت مجرد فكرة سيئة تقوم على أن المرأة يجب أن تركز فقط على بيتها وأولادها وتهمل نفسها بالكامل يجب استبدالها بأخرى وهي أنه كيف يعقل أن أمنحك تفاحا وأنا لا أملك تفاح ، في البداية على ان اهتم بنفسي وأقدم الحب لنفسي بعدها يمكنني الالتفات للآخرين وامنح الحب والرعاية بشكل متوازن

في إطار مناقشة المشاريع في محور العمل تحدثت كل سيدة عن طموحاتها فمثلا تقول السيدة مباركة انها ترغب في انشاء محل للخياطة وتجهيز العرائس, وأخرى ترغب بأن تكون طباخة تعد الحلويات بشكل ممتاز ورحمة ذكرت انها ترغب في ان تكون إطفائية فقد كان حلمها الوحيد والسيدة حكيمة ذكرت انها ترغب في تدريس أصول الدين بشكل صحيح

الجميل في الأمر أن هؤلاء النساء يملكن حرف رائعة ,صناعات يدوية لا مثيل لها فهن يصنعن الزرابي بشكل مبهر ويستطعن الحياكة بشكل لا يصدق لكنهن فقط لا يمتلكن الجرأة ليثقن في أنفسهن ويخطين خطوة للأمام

الكثير من الأحلام المدفونة في هذا الدوار والتي بدأت تخرج إلى أرض الواقع . الشيء المؤسِف هو أنهن دفن أنفسهن لدرجة تمنعهن من أن يحلموا . جاء هذا التكوين من أجل توعيتهن بأنه لا بأس في أن نحلم وبالعكس تماما فالسيارة كانت حلم شخص يوما ما والهاتف كان حلم شخص يوما ما وحتى المظلة والحذاء كان حلم شخص يوما ما ، فكيف سنستطيع تحقيق احلامنا واهدافنا دون ان نترك لأنفسنا مجالا بأن نحلم بذلك ، بان نتخيل حلمنا ونبدأ في تحقيقه خطوة خطوة

والاصل ان افكارنا تشكل واقعنا فالأفكار مع تكرارها والايمان بها تتحول الى معتقدات اساسية لدينا هذه المعتقدات تترجم الى تصرفات وردود أفعال هذه التصرفات تصبح عادات وهذه العادات تشكل واقعنا .إذن فلننتبه جيدا لأفكارنا ولنصنع الواقع الذي نرغب به لا الواقع الذي لا نرغب فيه