جميع الأفكار

حوار مع حمد: المشرف على المقبرة اليهودية بمدينة صفرو

Screen Shot 2023 02 07 at 10 57 53 PM
المدونة
byأمل المنصوري
onFebruary 7, 2023

English Version

أسبوع الوئام العالمي بين الأديان

حوار مع حمد: المشرف على المقبرة اليهودية بمدينة صفرو

صفرو، المغرب

بقلم: أمل منصوري

حمد، 75 عاما، المشرف على المقبرة اليهودية بمدينة صفرو. الصورة: أمل منصوري/مؤسسة الأطلس الكبير

تقع مدينة صفرو في سفوح جبال الأطلس المتوسط، على بعد 27 كيلومترا جنوب مدينة فاس، حيث تزخر المدينة بتاريخ متنوع ومئات السنين من التضامن الديني. بهدف التعرف على ماضي المدينة التعددي، انطلقت في رحلة لمقابلة المشرف على المقبرة اليهودية، وهي واحدة من أبرز الشواهد على الحضور اليهودي بجهة فاس

زيارة المقبرة اليهودية بصفرو

لم يكن العثور على المقبرة أمرا صعبا لأنها موقع معروف في المدينة. عند وصولي، التقيت حمد، وهو رجل يبلغ من العمر 75 عاما يقوم بالإشراف على المقبرة وظل يحرسها لمدة 35 عاما. حصل على هذه الوظيفة بمساعدة صديقه اليهودي ميمون، الذي كانت عائلته تمتلك محطة وقود حيث عملوا معا قبل رحيل الطائفة اليهودية. حسب حمد، يبلغ عمر المقبرة 500 عام على الأقل، وربما أكثر. تغطي ما يقرب أربعة هكتارات، وكثيرا ما يزورها اليهود الذين دفنت عائلاتهم وأسلافهم هناك

لم أتفاجأ عندما سمعت أن عدد الزوار الهائل والذي يمكن أن يتجاوز 1000 زائر سنويا. كما علمت من خلال البحوث التي أجريتها و لقاءاتي مع أعضاء المجتمع المحلي، أن العديد من اليهود لديهم ارتباط وثيق بصفرو، إذ يأتون إلى المغرب فقط لزيارة “القدس الصغيرة”، الاسم الذي تعرف به المدينة. تعمدت الطائفة اليهودية إعطاء هذا اللقب لمدينة صفرو الذي يعكس قيمتها الثقافية الكبيرة وتاريخها الغني. إن عدد اليهود الذين يزورون البلاد مهم، خاصة خلال احتفالات الهيلولا. “أحضروا الطعام وتقاسموه معنا. إنها مناسبة خاصة بالنسبة لهم. لكنني أعتقد أن الاحتفال بهذا المواسم يشهد حركية أكبر في وزان”، أضاف حمد

مدخل المقبرة اليهودية، صفرو، المغرب. الصورة: أمل منصوري/مؤسسة الأطلس الكبير

ذكريات العيش في مدينة صفرو التعددية

خلال حديثي مع حمد، تأثرت عندما علمت أنه تعلم اللغة العبرية أثناء عمله في المقبرة. بما أن المعلومات المتعلقة بالمتوفى، بما في ذلك أسمائهم وتواريخ ميلادهم ووفاتهم مكتوبة باللغة العبرية، كان عليه أن يتعلم اللغة ليؤدي عمله على أكمل وجه، خاصة في الحالات التي يطلب منه فيها أن يدل الزائر على موقع قبر معين

كنت أيضا مهتمة بالتعرف على قصة حمد، لأنه كان يعمل ويعيش جنبا إلى جنب مع الطائفة اليهودية. عندما سئل عن هذا الجانب من تجربته في الحياة، أجاب حمد بفخر: “كان لدي الكثير من الأصدقاء اليهود من بني عيش. كانوا جيراني وزملائي في العمل. كنت أبيع لهم الجوز والرمان”. وأضاف: “أتذكر بوضوح عندما كان جيراني اليهود يخبزون خبز الرقاقة، بسكويت حلو مصنوع من القرفة والسمسم، ويشاركونه مع عائلتي”. جحظت عينا حمد وهو يتحدث عن الأطباق كما لو كان يحاول تذكر الطعم ليخبرني المزيد عن المكونات التي يستخدمونها. أضاف حمد قائلا: “بالإضافة إلى خبز الرقاقة، اعتاد جيراني اليهود على إعداد طبق يسمى السخينة. كان لذيذ جدا ويشبه الطبق المراكشي الشهير، الطنجية

“لا أتذكر المكونات بدقة، لكنها تضمنت بالتأكيد البطاطس واللحوم والذرة “. تحدث حمد بحماس عن الظروف المزدهرة التي ميزت الحقبة التي عاشت فيها الطائفة اليهودية في صفرو. وأضاف: “كان [الشعب اليهودي] في صفرو يساوم على الشاي والسكر. كانوا يبيعونها بأسعار منخفضة، ولكن فقط هذين المنتجين. كانوا يبيعون منتجات أخرى بأسعار أعلى للتعويض عن الفارق”. بابتسامة كبيرة ونظرة فضولية، كما لو كان يدرك شيئا ما لأول مرة ، تابع حديثه: “كانت درايتهم وتقنياتهم التسويقية رائعة”. ثم استحضر الأوقات التي اعتاد فيها توصيل الخبز إلى الكنيس، وأخبرني عن مدرسة التحالف حيث يدرس اليهود عادة اللغة الفرنسية، ومدرسة إيلي تشيبا حيث درسوا ليصبحوا حاخامات

العناية بالمقبرة اليهودية

للحفاظ على المقبرة، تزود الطائفة اليهودية بفاس حمد، مرة واحدة كل عام، بالموارد اللازمة المتعلقة بعدد العمال المطلوبين وعدد الأيام التي سيعملون فيها في المقبرة ومقدار المال المطلوب لتغطية تكاليف الأشغال. بالإضافة إلى ذلك، هناك بعض الأفراد اليهود الذين يساهمون ماليا في صيانة المقبرة. على سبيل المثال، ذكر حمد رجلا يهوديا مغربيا دفن والداه وشقيقته في المقبرة. على الرغم من أنه يعيش الآن في سويسرا، إلا أنه يقدم تبرعا سنويا للمساعدة في تكاليف الصيانة

حسب حمد، فإن أنشطة مثل زراعة الأشجار والزهور من شأنها أن تعزز جمالية المقبرة. كما أثار نقطة مهمة تتعلق بتزويد المقبرة بالكهرباء، مشيرا إلى أن ذلك سيسمح بتمديد ساعات الزيارة. علمت منه أيضا أن الجالية اليهودية المقيمة بالخارج تجمع الأموال لاستغلال المساحات الفارغة بالمقبرة من أجل بناء غرف حيث يمكنهم إقامة شعائرهم، خاصة خلال احتفالات الهيلولا

المساحات الفارغة في المقبرة اليهودية، صفرو، المغرب. الصور: أمل منصوري / مؤسسة الأطلس الكبير

مستودع للقصص

عندما سئلت حمد عن القصص أو الذكريات التي يمكن أن يستحضرها عن الأشخاص المدفونين في المقبرة، أجاب: “الشعب اليهودي المدفون هنا يأتي من الأندلس. كانوا يعملون في مجالات مختلفة. كانوا تجارا وحرفيين وسباكين وجزارين، ومن يمارسون مهن أخرى. تم دفن العديد من الحاخامات هنا، مثل يعقوب شمعون حمو، الذي عاش في الرحيبة بالملاح وكان جزارا

استفسرت أكثر عن هذا الحاخام ، لأنني سمعت اسمه سابقا أثناء التحدث مع سكان الملاح. هنا، قيل لي أن عائلته كانت مرحبة للغاية وكانت تدعو الأشخاص الذين يعيشون خارج صفرو لقضاء الليل في منزلهم خلال الأيام التي تسبق السوق الأسبوعي وبعده. من خلال هذه المحادثات، شعرنا بطريقة ما أننا كنا نجمع قصص الطائفة اليهودية التي عاشت في صفرو. استأنف حمد: “الرحيبة هي المكان الذي يعمل فيه جميع الجزارين. كان اسم زوجة [الحاخام] شامة

قبر الحاخام رافائيل موشي الباز، المقبرة اليهودية، صفرو، المغرب. الصورة: أمل منصوري / مؤسسة الأطلس الكبير


من خلال حديثي مع حمد المشرف على المقبرة، بدت هذه الأخيرة وكأنها مستودع للروايات أو كتاب مؤلف من قصص، آخرها كتب في عام 1980 عندما دفن يعقوب. وبمحض الصدفة، كان آخر من زار المقبرة زار أحد أفراد عائلة يعقوب.

على الرغم من أن قصص الحاخام يعقوب وغيره من الأفراد المدفونين في مقبرة صفرو اليهودية قد وصلت إلى نهايتها، إلا أنها لا تزال مستمرة، خاصة مع الجهود المنتشرة لبرامج التراث الثقافي مثل برنامج ذاكرة التي تهتم بشكل كبير بإحياء الإرث الذي خلفه مختلف الأشخاص الذين كانوا جزءا لا يتجزأ من نسيج المجتمع المغربي والحفاظ عليه.

هذا الحوار هو جزء من سلسلة من الحوارات التي تحتفل بأسبوع الوئام بين الأديان (1-7 فبراير 2023) والتي تم إجراؤها في إطار برنامج ذاكرة التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، الذي تنفذه مؤسسة الأطلس الكبير وشركاؤها. يهدف البرنامج إلى تعزيز التضامن بين الأديان والأعراق من خلال الجهود المجتمعية التي تعمل على الحفاظ على التراث الثقافي في المغرب.

تم إنجاز هذا المقال بدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID). تعتبر مؤسسة الأطلس الكبير المسؤولة الوحيدة عن محتواه والذي لا يعكس بالضرورة وجهات نظر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أو حكومة الولايات المتحدة.