– من فكرة إلى واقع, El Bashayer.
ابتسام النيري
اخصائية في الرصد والتقييم
ومدربة في برنامج التمكين الذاتي للمرأة
مصطلح الخيرية هو من بين المصطلحات التي كانت شائعة في وقت معين بمعتقد معين، حيث ظنها الكثير أنها ذلك المستنقع الذي يغرق فيه الكثير من الأطفال الذين عاقت ظروف الحياة معيشتهم وجعلتهم يستنجدون بسقف يحميهم، وقوت يوم يفديهم وغطاء وبعض الثياب تُدفيهم، وقد بات من المصطلحات المغروسة في ثقافتنا حتى لا نعي لما للواقع من أثر على حقيقته
في الرابع عشر من مارس من هذه السنة قام فريق مؤسسة الأطلس الكبير بزيارة لخيرية باب اغمات أو كما أصبحت تعرف من حيث المصطلح القانوني الذي حاول أن يعيد بعض الكرامة لهذا المكان من خلال التسمية “دار رعاية الطفل باب اغمات”، وقد كانت بالنسبة لي الزيارة الأولى من نوعها تعرفت من خلالها على ما وراء تلك الجدارن والتي كما تحمي ما يزيد عن 402 نزيل أتت بهم ظروف مختلفة؛ إذ لكل واحد منهم قصة متفردة سببها وفاة الأب سند الحياة أو الأم نبع الحنان أو هما معا وما أدراك بذاك الفقدان، أو بسبب الفقر المدقع الذي عاشه معظمنا وحتى من لم يعشه فقد عايشه مع الأخرين، فهي كذلك تحاول أن تحمي وجودها من الاندثار أو الاستيلاء أو ربما الهدم فتصير في خبر كان، كما هو الحال بالنسبة للعديد من دور الرعاية بالمغرب (دار الرعاية بعين الشق التي تم تحويلها إلى إقامة، دار رعاية الطفل بطنجة التي تم هدمها، ….)
دار رعاية باب اغمات تعد من بين أعرق دور الرعاية حيث تم بناؤها سنة 1934 وقد تم الإشراف عليها من طرف جمعية سيدي بلعباس التي حصلت على المنفعة العامة سنة 1995، وتعتبر هذه الأخيرة من بين دور الرعاية التي لا زالت صامدة، إذ أنه وفي الأربعينيات من القرن الماضي تم بناء ما يزيد عن عشر دور رعاية أو كما كان يعرف آنذاك خيريات، اختفى جلها إن لم نقل كلها
وتبلغ مساحة هذه الدار أربع هكتارات ونصف الهكتار، هذا الأخير تم استعماله في بناء مدرسة ابتدايئة تشمل أبناء الدار، وكذا أبناء المناطق المجاورة للدار، أما عن المساحة المتبقية فتضم العديد من الأجنحة والمرافق (قاعة التمريض والفحص الطبي، قاعات الأكل، ملاعب رياضية، قاعات خاصة بالفنون، درا القرآن، روض للأطفال
وتعمل دار الرعاية باب اغمات في العديد من مجالات التدخل كما هو الحال بالنسبة للإيواء، المأكل، المصاحبة النفسية والاجتماعية، الادماج السوسيو مهني إلى غير ذلك من المجالات التي تحاول عن طريقها تقديم المساعدة والمصاحبة لنزلاء الدار
وخلال الجولة في ربوع الدار وجنباتها تمت مشاركة العديد من الأفكار منها تقديم واقتراح مجموعة من الدورات والورشات التدريبية لفائدة نزلاء الدار والتي تصب في مجملها إلى إدماج المقاربة التشاركية في العمل التنموي، التنمية الذاتية والتمكين الذاتي، التنوع الثقافي، إضافة إلى إمكانية زيارة خبراء متطوعين يعملون في مجال الفلاحة وذلك في إطار البرنامج التطوعي الممول من طرف وكالة التنمية الدولية الذي تعمل عليه مؤسسة الأطلس الكبير والمتعلق بالمساعدة التقنية لمجموعة من الفئات التي تشتغل بالقطاع الفلاحي في كل من جهة مراكش –آسفي، بني ملال-خنيفرة والجهة الشرقية
كلها أفكار تم تلقيها بصدر رحب من طرف مدراء الدار، حيث إنه ومن الوهلة الأولى تلحظ روح التآخي والانسجام بين كل الفئات من عاملين ومدراء ونزلاء، خاصة وأن البعض من هذه الأفكار معمول على إدراجه في برامج الدار اليومية والتي ستعنى بالمساعدة في تنمية قدرات الشباب وإدماجهم في العمل التنموي التشاركي
وفي السابع عشر من مارس قام فريق المؤسسة بزيارة ثانية، وهذه المرة رفقة الخبيرة المتطوعة وهي متخصصة في مجال الأغراس والمشاتل وكيفية الإعتناء بها، حيث قامت السيدة بتقديم ورشة تكوينية لفائدة بعض نزلاء الدار، من خلالها تم التعرف على العديد من المسائل المتعلقة بكيفية الاعتناء بالشتائل، التربة، طريقة السقي، إنشاء المشاتل وكيفية إدارتها والاعتناء بها وكذا تسييرها، إضافة إلى معلومات أخرى تصب في إطار المحافظة على البيئة والتحفيز على العمل التطوعي
ونظرا للاهتمام الملحوظ من طرف المشاركين في الورشة ومدى انسجامهم مع حيثياتها، وكذا للمساحات الشاغرة في بعض جنبات الدار، قامت السيدة بتقديم منحة مالية من أجل بناء مشتل صغير للأعشاب الطبية والعطرية، وذلك
لترسيخ الحفاظ على البيئة والحث على مبدأ العمل التطوعي للشباب
ولتثمين كل الجهود سواء من طرف دار الرعاية باب اغمات وطاقمها أو من طرف فريق مؤسسة الأطلس الكبير، تم وفي الأسبوع الأول من أكتوبر البدء في الأشغال التحضيرية الأولى لإنجاز مشتل للنباتات والأعشاب الطبية والعطرية، حيث سيكون بمثابة مختبر صغير يستقبل فئات عمرية محددة تعمل من خلال برنامج يومي مع أحد المؤطرين على الاهتمام بالمشتل وكذا بكل المساحات الخضراء بالدار
في النهاية يجب الإشارة إلى أنه وبعيدا عن كل ما يتم تداوله عن دور الرعاية من عدم اهتمام، تهميش واللامبالاة، يجب الاعتراف بالمجهودات المضنية التي يقوم بها مدراء وطواقم عمل هاته المؤسسات، إذ يسعون دائما للحفاظ عليها كبيتهم الثاني إن لم نقل الأول، وكذا بأولئك الشباب الذين عاشوا طفولتهم وشبابهم وما أصبحوا عليه اليوم بين أحضانها حيث نجد منهم الأستاذ والممرض والموظف الحكومي والمقاول الذاتي إلى ما إلى ذلك من الطاقات الشابة التي أثبتت ولا زالت تثبت وجودها من خلال ما تقدمه لبلدها الحبيب، وكل ذلك بفضل التأطير، المصاحبة، الحب والدفئ الذي تقدمت به دور الرعاية هذه لنزلائها معتبرة إياهم أبناءا لها، لا تفصلها عنهم أية حواجس أو معيقات
وبالتالي فمثل هذه الفضاءات تستنجد في بقائها إلى عناية المحيطين بها، من خلال إشراكها في القطاعات السياسية التي تشتغل في هذا المجال، وذلك لضمان استدامة حماية نزلائها وحماية مستقبلهم سواء النفسي، الجسدي أو حتى المهني
وتبقى هذه الزيارة راسخة في ذاكرة الفريق كل حسب اللحظات التي قضاها سواء كانت محادثة بسيطة مع نزيل، مشهدا معبرا في إحدى الورشات، وبالنسبة لي استثناءا اجتمعت فيه أحاسيس الفرحة والحزن معا فأصبحت في مزيج من المشاعر المختلطة التي جعلتني أعيد ترتيب أفكاري بدل المرة عشرة فقط لاستيعاب أمر واحد يمكن إجماله في جملة واحدة أحسنوا فكلنا نحتاج للإحسان ولا تمنوا بل عيشوا حريصين لا على المن بل على الامتنان