Toutes les idées

جريمة الاتجار بالبشر بين الماضي والحاضر

Capture decran 2021 08 17 124226
byHigh Atlas Foundation
onJune 5, 2021

By Fatine Belkbir – Clinicienne

تعتبر جریمة الاتجار بالبشر ثالث أكبر تجارة غیر مشروعة على المستوى العالمي، وذلك بعد جریمة الاتجار غیر المشروع بالأسلحة وجریمة الاتجار غیر المشروع للمواد المخدرة، وهذا التصنیف صادر وفقا لتقاریر رسمیة لبعض البلدان، لاسیما التقریر الصادر عن مكتب مراقبة الاتجار بالبشر ومكافحته، وهو المكتب التابع لوزارة الشؤون الخارجیة الأمریكیة، وهي إحصائیات منشورة بین 2004 ـ 2015

كما تعد جريمة الاتجار بالبشر من الجرائم الماسة بكرامة الإنسان والتي تحط من قدره وتعرض حياته وحياة أسرته للخطر والتهديد، ومصطلح الاتجار بالبشر مفهوم مركب من كلمتين هما الاتجار والبشر، فالتجارة لغة مشتقة من فعل تاجر أي باع وشرى، والتجارة هي ممارسة البيع والشراء، وﻫﻲ مزاولة أعمال التجارة بتقديم السلع إلى الغير بمقابل، أما البشر فيعني الخلق ويقع على الانثى والذكر على حد سواء، والبشر يقصد به ظاهر جلد الانسان. أما من حيث الاصطلاح، فقد اختلف الفقهاء في تعريف جريمة الاتجار بالبشر، فقد عرفها بعض الفقه بأنها: كافة التصرفات المشروعة وغير المشروعة التي تحول الإنسان إلى مجرد سلعة أو ضحية يتم التصرف فيها بواسطة وسطاء محترفين عبر الحدود الوطنية بقصد استغلالهم في أعمال ذات أجر متدني أو في أعمال جنسية أو ما شابه ذلك سواء تم التصرف بإرادة الضحية أو قصرا عنه أو بأية صورة أخرى من صور العبودية (سوزي عدلي ناشد)

في حين عرفها البعض الآخر بأنها تجنيد أشخاص أو نقلهم بالقوة أو بالإكراه أو الخداع لغرض الاستغلال بشتى صوره، ومن ذلك الاستغلال الجنسي، العمل الجبري، الخدمة القسرية، التسول، الاسترقاق، تجارة بالأعضاء البشرية وغير ذلك… ( محمد عمي العريان)

أما على المستوى الدولي، فقد عرفت جريمة الاتجار بالبشر في العديد من الاتفاقيات الدولية، من بينها بروتوكول الأمم المتحدة الخاص بمنع وحظر ومعاقبة الأشخاص الذين يتاجرن في البشر، خاصة النساء والأطفال، الصادر سنة 2000، فقد عرف الاتجار بالبشر في الفقرة أ من المادة الثالثة بأنه : تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل هذا الأخير كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسرا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء. بالاضافة الى ما جاء في الفقرة ج من نفس المادة : يعتبر تجنيد طفل أو نقله أو تنقيله أو إيواؤه أو استقباله لغرض الاستغلال « اتجارا بالأشخاص »، حتى إذا لم ينطو على استعمال أي من الوسائل المبينة في الفقرة الفرعية أ، وهو نفس النهج الذي سارت عليه اتفاقية المجلس الأوروبي لمكافحة الاتجار بالبشر لسنة 2005 عند تعريفها هذه الجريمة

كما يلاحظ أن المشرع المغربي كما هو الأمر بالنسبة المشرع الجزائري تبنى في تعريفه لجريمة الاتجار بالبشر نفس التعريف الوارد في بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالبشر، وذلك من خلال الفصل 448ـ1 من قانون رقم 14ـ27 المتعلق بهذه الجريمة والذي دخل حيز التنفيد سنة 2016، على خلاف المشرع الفرنسي الذي عرفه في المادة 225 من قانون العقوبات الفرنسي بأنه: الفعل الذي يتم مقابل أجر أو أﯾﺔ منفعة أخرى أو وعد بأجر أو منفعة على تجنيد شخص أو نقله أو الحياه أو ايواءه أو استضافته بهدف وضعه تحت تصرف الغير ولو بدون ﻣﻧﻔﻌﺔ أخرى، الغير أو وﻋد ﺑﺄﺟر، او تحديد هوية هذا الغير إما بغية ارتكاب جرائم أو اعتداءات جنسية ضده أو استغلاله في أعمال التسول وفرض شروط عمل أو سكن أو لإجباره ﻋﻠﻰ ارتكاب جنايات أو جنح الاتجار بالبشر

فضلا عن ذلك يعد الاتجار بالبشر المظهر الحديث للرق، الذي كان منتشرا في العالم القديم والذي ظل منتشرا الى وقت حديث وثم تحريمه دوليا، ولكن عاد وظهر مرة أخرى، أشد فتكا وأعظم اثارا. فجريمة الرق التي هي من أبرز مظاهر جريمة الاتجار بالبشر في العصور الماضية تعد من أقدم أنواع التجارة التي عرفتها المجتمعات الانسانية القديمة، فهي جريمة خطيرة في حق الإنسانية جمعاء، حيث يتم فيها استغلال الانسان والبشر من كلا الجنسين على اختلاف أعمارهم، لقد كانت تنتشر تلك التجارة على وجه الخصوص في زمن الحروب التي كانت تدور رحاها بين القبائل المتناحرة، حيث كانوا يستعملون طرق الخطف المنظم، ثم بعد أن تضع الحرب اوزارها تتم عمليات البيع والشراء فيما كان يسمى انذاك » بسوق الرقيق »، وﻋﻠﻰ أثر تطور هذه التجارة عرفت أنواع أخرى منها الاتجار بالاعضاء البشرية

جريمة الاتجار بالبشر في القانون المغربي

يعاقب المشرع المغربي على جريمة الاتجار بالبشر نظرا لكونها تعد بمثابة الوجه الحديث والمعاصر لتجارة الرقيق وظاهرة العبودية والتي كلاهما تشكلان انتهاكا لحقوق وحريات الانسان، والتي ترد أساسا تحت إطار مفهوم الجريمة المنظمة

وبالرجوع إلى مضمون المادة 448ـ1 من قانون رقم 27ـ14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر الصادر في 25 غشت 2016، المتمم لأحكام الباب السابع من الجزء الأول من الكتاب الثالث من مجموعة القانون الجنائي يتضح بأن العناصر التي تدخل في الركن المادي لجريمة الاتجار بالبشر هي الفعل أو السلوك الجرمي والوسائل التي ترتكب بها أفعال الاتجار بالبشر

وكما هو واضح في تعريف المادة 448ـ1 من قانون رقم 27ـ14، فإن الفعل الجرمي في جريمة الاتجار بالبشر يتمثل اساسا في

التجنيد: هو عمل مادي يتجلى في جمع عدد من الناس لإلحاقهم بالجيش، وقد يشمل التجنيد جمع المجني عليهم وإخداعهم بكل الوسائل الذهنية والعاطفية والمادية لإستخدامهم كسلعة سواء في الدعارة او السخرة او الخدمة قسرا او الاسترقاق او ماشابه

-الاستدراج: اعتبره المشرع المغربي في المادة 448ـ1 سلوكا جرميا يتحقق بالتحايل على الضحية وخداعها من أجل استغلالها للقيام بعدة افعال عن طريق الاغراء والحيلة.

النقل الذي يعني نقل الضحية من محل اقامتها إلى مكان آخر، قد يكون تحت سيطرة العصابة الإجرامية أو لها نفوذ فيه سواء كان بطريقة مشروعة أو غير مشروعة، ولا يشترط القيام بفعل النقل وجود وسيلة نقل معينة، فالعبرة هي ارتكاب فعل النقل بغض النظر عن الوسيلة المستخدمة فيه.

التنقيل: يتحقق بتحويل الضحايا من موضع لآخر باعتبارهم مجرد بضاعة ثم التحكم فيها من أجل استغلالها سواء في ذات الدولة او خارجها

الإيواء: يتحقق بإخفاء الضحية عن أنظار الناس والسلطات، وذلك بتدبير مكان وملاذ آمن لإقامة المجني عليهم سواء داخل ذات الدولة او في دولة المقصد التي تم نقل المجني عليهم إليها تمهيدا لاستغلالهم في مرحة موالية

الإستقبال: يقف عند حد تهيئة الظروف الملائمة لملاقاة الضحية في بلد الوصول أو مكان الوصول في ذات البلد وهو يكمل مسألة النقل التي تقترن بالاستقبال عادة، ومنه ففعل الاستقبال يتحقق دون اشتراط ابقاء المجني عليه في مكان معين.

ورغم التقارب المشار إليه في هذه الافعال، إلا أنها تمثل جرائم قائمة بذاتها تتطلب أن يتم ارتكابها بوسائل محددة، ماعدا إذا كان الضحية طفل دون الثامن عشر من العمر

كما أشار الفصل 448ـ1 من القانون 27ـ14 إلى وسائل ارتكاب جريمة الاتجار بالبشر والتي تميزت بالتنوع وهي:

  • التهديد بالقوة: الذي هو كل اسلوب يستعمله الجاني من خلال الكلام أو الحركات أو الايماء من شأنه إلقاء الرعب والخوف في نفس المجني عليه بسبب إيذاء أراد إلحاقه بشخصه او ماله او حريته او حرمته
  • استعمال القسر
  • الإختطاف: الذي هو نقل المجني عليه كرها من المكان الموجود فيه إلى مكان آخر لإحتجازه فيه وإخفاءه عن الغير
  • الاحتيال: يقصد به استعمال الجاني لادعاءات كاذبة مدعمة بمظاهر خارجية لتضليل المجني عليه ط
  • الخداع
  • إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة أو النفوذ: تعني اي شكل من اشكال التبعية التي تكون للمجني عليه اتجاه الجاني، كسلطة الاب على اولاده حين يستعملها؛ فيقوم بالاتجار بهم نتيجة الفقر أوالجشع والطمع.. أو سلطة صاحب المنزل على خادمته؛ فيقوم بالاتجار بها باستغلالها في الدعارة عوض الاعمال المنزلية
  • استغلال حالة الضعف أو الحاجة
  • إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو منافع للحصول على موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال: يتم ذلك بقيام الجاني بتقديم مبلغ مالي لشخص يقوم بإقناع شخص آخر له سيطرة عليه من أجل الاتجار به او استغلاله بأي صورة من صور الاتجار بالبشر

ومن ثم يلزم لتحقق الركن المادي في جريمة الاتجار بالبشر التثبت من ارتكاب الجاني أحد الافعال التي تشكل السلوك الاجرامي بشكل يقيني، ثم التثبت من وسيلة ارتكاب هذا الفعل بأن تكون إحدى الوسائل المحددة

أما بالنسبة للركن المعنوي، فبما أن جريمة الاتجار بالبشر تعد من الجرائم العمدية، فإنه يشترط لقيامها القصد الجنائي العام والخاص، فهي لا تقع إلا في صورة العمد ولا يمكن تصورها في صورة الخطأ

ويقصد بالقصد العام أن يعلم الجاني انه يرتكب الجريمة بمعناها المذكور وانه يرتكبها بارادته وادراكه التام مع علمه بخطورة السلوك الجرمي الذي يرتكبه وأن من شأن هذا السلوك الاعتداء على حق الانسان في الحياة أو الكرامة أو السلامة الجسدية ، أما القصد الخاص ينصب على كون الجاني يقصد من الافعال التي قام بها وخاصة تجنيد المجني عليه أواستدراجه أو نقله أو إيوائه أو

إستقباله… إلحاق الضرر

وبما أن جريمة الاتجار بالبشر هي من جرائم الخطر أو كما تسمى بالجرائم الشكلية فإنه لا يتطلب تحقق النتيجة الاجرامية، فهذه الجريمة تتحقق بمجرد قيام الجاني بأحد الافعال المنصوص عليها بإرادته الحرة