Todas las ideas

المغرب العميق بعيون جزائري

Capture decran 2021 09 03 122729
byHigh Atlas Foundation
onNovember 28, 2018

المغرب العميق بعيون جزائري, Sotal Iraq, by Brahim Bahmani Rai (HAF Intern), 28 November 2018

img1

الكاتب: إبراهيم بحماني الراعي متطوع في مؤسسة الأطلس الكبير

بعد انتهاء مرحلة التعليم الجامعي في شهر يونيو سنة 2018 فكرت في تنظيم رحلة سياحية الى خارج الوطن، فشاءت حكمة الله أن أزور لأول مرة في حياتي البلد المجاور لدولة الجزائر وهي دولة المغرب الشقيق، وكان ذلك في إطار نشاط الرابطة الدولية للطلاب في الاقتصاد والأعمال وهو ما يعرف ب AIESEC التي توفر المجال للطلاب الموهوبين المتحمسين لتحقيق نمو شخصي وتطوير قدراتهم الريادية من خلال إشراكهم في البرامج التدريبية أو برامج التبادل الطلابي العالمي للمنظمات التي تعمل على تحقيق إحدى أهداف التنمية المستدامة العالمية التي وضعتها هيئة الأمم المتحدة

مقر إقامتي كان في مدينة مراكش، التي تقع وسط المملكة المغربية، وهي تعد من أشهر الوجهات السياحية في المغرب، بسبب مناخها اللطيف وطبيعتها الخلابة ومبانيها التي يغلب عليها اللون الأحمر مما أكسبها لقب “المدينة الحمراء”

اعتبارا لمخطط برنامج الإيزيك المتمثل في اكتشاف مدينة مراكش من خلال العمل التطوعي مع إحدى المنظمات الغير ربحية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لبرنامج الأمم المتحدة، كانت فرصة للعمل مع مؤسسة الأطلس الكبير وهي منظمة تطوعية أمريكية مغربية تأسست من طرف متطوعين سابقين من هيئة السلام في سنة 2000 بالولايات المتحدة الأمريكية، وهي مؤسسة تسعى إلى تكريس التنمية المحلية المستدامة في المغرب، بالاعتماد على المقاربة التشاركية كما تعمل على إنشاء مشاريع تنموية، تقوم بتصميمها المجتمعات المحلية.

كان لي شرف اللقاء مع الدكتور يوسف بن مير باعتباره رئيس المؤسسة وقد أبدى سعادته الكبيرة بقدومي الى المغرب حيث قال كلمة جميلة “إن المغرب ليس هو المغرب بل هو المغرب الكبير وأننا كلنا أبناء المغرب الكبير فنحن في بلد واحد”، حيث جعلني لا أحس بأنني غريب في هذا البلد وقد فتح لي المجال للعمل معه في المؤسسة ومساعدته لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتقديم المساعدات للمحتاجين والقضاء على الفقر والتهميش في الأرياف، وقد ذكر لي مصطلح المقاربة التشاركية حيث كان لي فيه بعض الغموض في البداية و تركت الأمر للاستفسار عنه في مستقبل الأيام.

أول زيارة لي مع المؤسسة كانت مساء يوم الثلاثاء 6 نوفمبر 2018 في إطار الاحتفال بالذكرى الثالثة والأربعون للمسيرة الخضراء الذي نظمته دار إيما بالشراكة مع الطائفة اليهودية بجهة مراكش آسفي بمنطقة “لالة تكركوست” وهي قرية أمازيغية صغيرة تقع على بعد 37كم جنوب مدينة مراكش، تتميز بطبيعتها الخضراء وجبالها العالية ومبانيها القديمة كما تحتوي على أحد السدود المغربية الكبرى وهو سد ” لالة تكركوست” مما يعطيها رونقا وجمالا.

img4 img3

كان من بين الحضور كل من السلطات الرسمية والإدارية للمنطقة بالإضافة إلى حضور رجال الدين الذين يمثلون الديانات السماوية الثلاث، وهم رئيس الكنيسة الكاثوليكية بالمغرب، ورئيس الطائفة اليهودية بالمغرب، وأحد أئمة المسلمين، وقد تخلل هذا الحفل وصلات فنية حماسية من تقديم فرقة الأصيل للفن، حيث شهد الحفل تفاعلا كبيرا من الجمهور خاصة مع النشيد الوطني المغربي ونشيد نداء الحسن للمسيرة الخضراء مما يعكس حبهم للوطن وتعزيز روح الولاء والانتماء له فرحا بالعيد الوطني ، كما تم عرض مقطوعات فنية إسلامية و يهودية و مسيحية ترسخ للمبادئ المغربية المتمثلة في احترام الأديان و التسامح العقدي.

من خلال كلمات المشاركين في هذا المحفل لكل من رئيس الكنيسة الكاثوليكية، ورئيس الطائفة اليهودية، وأحد أئمة المسلمين يتبين أن مسألة التعايش بين الأديان في المغرب هي ظاهرة متوارثة عبر الأجيال منذ القدم مما يبعث استقرارا وتعايشا سلميا بين مختلف الديانات والثقافات المكونة للنسيج الاجتماعي المغربي، وقد تبين لي جليا أن المغرب يُعدُّ فيه التعايش بين الأديان واقعا فعليا، كما تشهد على ذلك الحياة اليومية في هذا البلد المسلم، على عكس ما نعيشه في الجزائر حيث أن اليهود والمسيحيين يخشون على حياتهم في الجزائر، رغم أن قوانينها تسمح لغير المسلمين بممارسة شعائرهم الدينية، طالما أنهم يحترمون النظام العام والأخلاق، والحقوق والحريات الأساسية للآخرين، ويبتعد اليهود والمسيحيين في الجزائر عن الأضواء، بسبب مخاوف على سلامتهم الجسدية، واحتمال التعرض للمشاكل، وقد انتابني هذا الخوف حينما علمت في الوهلة الأولى أن رئيس الطائفة اليهودية سينتقل معنا على متن السيارة الى مكان الحفل اعتبارا للخلفية التي كنت أعتقدها حول التوتر الحاصل بين اليهود والمسلمين في الجزائر وفي الشرق الأوسط، لكن الواقع كان عكس ذلك حيث كان هناك احترام متبادل رفيع المستوى مع جاكي كادوش، وأبدى سعادته الكبيرة خاصة حين علم أنني من الجزائر.

في يوم الأربعاء 7 نوفمبر 2018 ذهبت في ثاني زيارة عملية مع مؤسسة الأطلس الكبير والوجهة هذه المرة إلى مدينة آسفي التي تبعد عن مدينة مراكش ب 160كم، تقع على ساحل المحيط الأطلسي، تعني بالأمازيغية “مصب النهر”، يوجد بها أكبر معمل للفوسفاط بالمغرب، وكانت هذه الزيارة في إطار الدورة التكوينية التي نظمتها مؤسسة الأطلس الكبير بالتنسيق مع المكتب الشريف للفوسفاط، ونظمت الدورة لفائدة مدراء المؤسسات التربوية لمدن وقرى آسفي بحضور بعض عمال المكتب الشريف الفوسفاط.

وكان الهدف من الدورة هو دراسة الاحتياجات الضرورية التي تعاني منها المؤسسات التربوية لمنطقة آسفي والمناطق المجاورة لها، ووضع خطة عمل لتجسيد هذه الاحتياجات على أرض الواقع بمشاركة كل الأطراف المعنية من مدراء مؤسسات ومتطوعين وتلاميذ وفق منهج المقاربة التشاركية.

وفي أول تدخل لرئيس مؤسسة الأطلس الكبير السيد يوسف بن مير خلال الدورة الذي تطرق فيها إلى مفهوم المقاربة التشاركية اتضح لي جليا مفهوم هذا المصطلح الذي كان يبدو لي غامضا في بادئ الأمر، فهو يعني المشاركة في الفعل الجماعي من كل الجهات المعنية حيث يهدف إلى إشراك المستفيدين في تحديد وتشخيص مشاكلهم الحقيقية بمساهمة كل الأطراف الفاعلة والمستفيدين دون إقصاء لأي طرف من الأطراف في صياغة وإنجاز وتقييم المشاريع، باعتبار أن الإستفادة من نتائج هذا العمل تعود على الجميع، كما تتخذ التشاركية مبدأ اللامركزية في التسيير لجعل المشاريع أكثر ديناميكية ومرونة وسهلة التنفيذ على الواقع.

وبما أن هذا المشروع يمس المناطق الريفية فإن المقاربة التشاركية مجسدة في معيشة سكان البادية من خلال تعاون العائلات في إنجاز الأعمال التطوعية الجماعية التي يعود فضلها على أهل تلك البادية، إلا أن المقاربة التشاركية حاليا تم إعطاؤها صبغة عالمية يتم تطبيقها على مستوى المنظمات التنموية الدولية.

img2 img4

وقد تم تقسيم الحاضرين الى مجموعات ثلاثية كل مجموعة تتكون من مدير مؤسسة ومتطوعين اثنين من المكتب الشريف للفوسفاط، يقومون بالتعاون والتشارك فيما بينهم لوضع خريطة عمل لتلك المدرسة من خلال الاحتياجات الضرورية التي تعاني منها، والآفاق المستقبلية التي تطمح الى بلوغها، واستمرت هذه الورشات لمدة ساعة من الزمن من تأطير المنشطة أمينة حجامي، لتقوم بعدها كل مجموعة بعرض خريطة العمل التي تم وضعها ومن بين أهم المشاكل التي تعاني منها هذه المؤسسات ما يلي:

عدم توفر المدرسة على الحارس الليلي.

قصر سور المدرسة مما يهدد أمن وعتاد التدريس.

عدم توفر المدرسة على عنصرين مهمين هما الكهرباء والماء.

عدم توفر المدرسة على الماء الصالح للشرب مما يستلزم على الأساتذة والتلاميذ بإحضار قارورات الماء.

-عدم توفر المدرسة على قاعة الأساتذة.

-عدم توفر المدرسة على دورة المياه للتلاميذ وللمعلمين.

-عدم امتلاك بعض التلاميذ لوثائق الحالة المدنية.

-عدم توفر المدرسة على طاقم اداري يقف الى جانب المدير لأداء المهام الإدارية المتعددة.

-غياب الإرادة السياسية في دعم المؤسسات التربوية.

-عدم توفر الطريق المعبد الذي يؤدي الى المدرسة

-عدم توفر المدرسة على اقسام من الصلب والاكتفاء بأقسام من البلاستيك قديمة الصنع والتي –تمثل خطرا على صحة التلاميذ.

بعد عرض هذه المشاكل تم تحديد الاحتياجات المشتركة بين كل من المؤسسات الحضرية والمؤسسات الريفية وترتيبها حسب الأولوية باستعمال طريقة التصويت، وقد تمثلت الاحتياجات المشتركة بين المؤسسات الحضرية حسب الأولوية في النقاط التالية:

1ـ توفير الحارس الليلي.

2ـ الزيادة في علو سور المدرسة.

3ـ توفير التعليم الأولي.

4ـ توفير الدعم التربوي.

5ـ تدبير النفايات وإصلاح سور المدرسة.

أما الاحتياجات المشتركة بين المؤسسات الريفية فقد تم ترتيبها حسب الأولوية على النحو التالي:

1ـ توفير الماء الصالح للشرب.

2ـ توفير الكهرباء.

3ـ توفير الأمن.

4ـ تنظيم مختلف النشاطات الثقافية والرياضية.

وفي قراءة تحليلية من وجهة نظر جزائرية لنتائج هذا اللقاء، يتضح أن المغرب بالرغم من مكانته الرائدة في المجال السياحي الذي يستقطب آلاف السياح من مختلف الدول الأوروبية والأمريكية، خاصة في المدن الكبرى باعتبارها قطب سياحي ممتاز، إلا أن المناطق الريفية في المغرب تعاني التهميش من حيث التنمية الاجتماعية وسوء التسيير من طرف الجماعات القروية، والدليل على ذلك الاحتياجات الضرورية التي تعاني منها المؤسسات التربوية في تلك المناطق، على سبيل المثال: عدم توفر المدرسة على عنصر الحياة وهو الماء ـ عدم توفر المدرسة على الكهرباء ـ عدم توفر المدرسة على دورات المياه، عدم امتلاك بعض التلاميذ على وثائق الحالة المدنية، وهي من أغرب النقائص التي صدمتني عند سماعها للوهلة الأولى، حيث لم يخطر ببالي ولو للحظة أنه في سنة 2018 توجد مدارس في المغرب تعاني مثل هذه النقائص، حينها ادركت الوجه الآخر للمجتمع المغربي، والفوارق الطبقية السائدة في هذا البلد.

وفي مقابل ذلك ورغم كل هذه الظروف القاسية والمعاناة الصعبة التي تمس هذه الشريحة تتجلى رغبة مدراء المؤسسات في تحسين وضعيتهم من خلال عقد شراكات مع المؤسسات الاقتصادية وجمعيات المجتمع المدني مثل مؤسسة الأطلس الكبير والمكتب الشريف للفوسفاط وذلك من اجل النهوض بالتعليم وضمان جيل واع ومستقبل واعد للابناء وهي مبادرة جد رائعة، تستحق التقدير، وآمل أن أنقلها إلى الجزائر.

وقد خُتم اللقاء بكلمة من رئيس مؤسسة الأطلس الكبير حث فيها على ضرورة تجسيد توصيات هذا اللقاء على أرض الواقع، مع مراعاة عامل الوقت الذي يمضي بشكل سريع، مما يستلزم علينا تكثيف الجهود والعمل بوتيرة أسرع، فاحترام الوقت يعد عاملا أساسيا للنجاح والإستمرار.

الكاتب: إبراهيم بحماني الراعي

مراكش يوم: 22/11/2018