Todas las ideas

التمكين النفسي … أو عندما يفكر المجتمع في الفرد

Rachid
Blog
byحميد حنتوم
onFebruary 24, 2020

مضت سنوات على مؤسسة الأطلس الكبير وهي تشتغل على تمكين النساء، بدورات تكوينية، ورشات وحملات تحسيسية، لقد أخذت بيد المرأة وخرجت بها من عقلية الاستهلاك إلى التفكير في الإنتاج ومزاولة أنشطة مدرة للدخل، في ظل مقاربة الاقتصاد الاجتماعي التضامني الذي يشكل ركيزة أساسية في الخطة المجتمعية للمنظمة. لقد حققت المنظمة المغربية-الأمريكية نجاحا ملحوظا في تمكين النساء، وبفضل مشاريعها الناجحة في أغلبها أصبحنا نشاهد على أرض الواقع نساء كن في البداية تائهات، قابعات بين مطرقة الأمية وسندان الفقر، بين إرادة جبارة في العمل وبين غياب للخطط والوسائل والطرق التي ستصنع بها الفارق وتبني عملا منظما، يتخذ استراتيجياته ويبحث عن الحلول للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والقانونية. هنا كان للمؤسسة الدور الرئيسي في تحويل هذه الإرادة النسوية الجبارة العشوائية إلى عمل منظم في إطار تعاونيات إنتاجية أصبحت الآن نموذجا يحتذى به في العديد من المناطق، وبالتالي تحقيق مساهمة ميدانية تقدم فيها المؤسسة درسا في كيفية تحقيق التنمية المستدامة بصورة ناجحة، ضربت بها عصفورين بحجر واحد، الأول يتجلى في تمكين النساء أما الآخر فهو المساهمة في الحفاظ على البيئة
بعد تجربة مؤسسة الأطلس الكبير مع النساء، وجعل المرأة شعلة مضيئة، وإرجاع البيئة مركز اهتمام الصغير والكبير، والتنمية المستدامة هدف كل شرائح المجتمع، فكرت المؤسسة في توجيه الأنظار إلى عنصر الرجل كرافعة أساسية بدوره في استدامة موارد هذا الكوكب ونقل المعرفة والإحساس بأهمية البيئة في الحياة الطبيعية وبدور الإنسان كجزء منها. لتنظم دورة تكوينية لمدة أربعة أيام ابتداء من 20 إلى 23 فبراير 2020 بمقرها بمراكش، لتعلن لنفسها بذلك تدشين توجه مجتمعي يصب اهتمامه على الرجال
كان مقر المؤسسة مسرحا لتشكيل فريق التمكين، تحت إشراف عضوي المؤسسة السيد سعيد البناني والسيد رشيد المنتصر، وكذلك السيد محمد القادري، وقاد الدورة التكوينية المدربين المحترمين القادمين من دولة الأردن الدكتور رياض محمد رمضان أبو شرف والدكتور عابد عبد الكريم،
قدم الأخيرين وصفة علمية وسيكولوجية، غيرت مجموعة من المواقف لدى المشاركين تجاه أنفسهم وتجاه محيطهم وتجاه العالم، وأصبحنا دون شعور نطرح أسئلة “ماذا نريد؟” “أين نحن الآن؟” إلى أين نريد الذهاب؟ …الخ، بدت لي هذه الأسئلة في الوهلة الأولى أسئلة فلسفية، وإذا بها تغوص في الأعماق لتولد لدى

كل منا شعورا بالارتباك ورغبة في الجلوس مع الذات، من أنا؟ ماذا أريد؟ كيف لي أن أساعد مجتمعي دون أن أجعل من شخصيتي أكثر قوة وأكثر انسجاما وتوازنا؟
تعلمنا من الدكتورين كيفية الانتقال من التفكير الباتولوجي إلى تحديد الرؤية vision، الانتقال من السكون إلى الحركة، وتحويل الأفكار المقيدة إلى أفكار داعمة. كنا قبل التدريب نسعى إلى تغيير المجتمع، أما أثناء التدريب فقد تحولت البوصلة من وجهة المتجمع إلى وجهة الذات، وأضحت كل الأسئلة التي تطرح حول الآخر تطرح حول الذات
ابن نفسك وثق بنفسك وتصالح مع ذاتك، ومن ثمة ادعم الآخرين واترك بصمتك في مجتمعك، هي ذي صياغتي أو بالأحرى إحساسي الذي تركته الدورة التدريبية في نفسي خلال نهايتها، وهكذا كان تفاعل كل المشاركين. فرحلة السفر المليئة بامتزاج الإحساس بالحب والكره في ذات الآن، في التقاء الجسد بالروح، والحرب بين عقلية الوفرة وعقلية العوز في النظر إلى المال، كلها وقفات وتمارين ولدت التفكير في أن التمكين النفسي ينبني على المسؤولية الشخصية وتقدير الذات والتفكير الإيجابي ومواكبة التغيير

أروع ما يمكن ملاحظته في فريق التمكين لهذه الدورة هو اختلاف الأعمار، في ركن من الصالة شاب عشريني، وفي الركن الآخر شيخ في الثمانين من عمره بروح شابة وعطاء منقطع النظير، بينهما شباب في الثلاثين والأربعين كلهم طاقة وحيوية. هي لحظات بناء ذوات ستكون فاعلة في مجتمعها، ستنظر إلى العالم بنظرة الإنسان الذي يترك بصمة، خير، صداقة، قوة…الخ، عرفت المجموعة مشاركة تجارب شخصية، ودروسا في الحياة، استفاد صغار السن من الكبار، واستفاد غير المتعلمين من المتمدرسين، وذوي التجربة في العمل من عديميها
كل شخص بما يملك وبما علمته الحياة
مرت الأيام الأربعة من التدريب في جو حماسي، في شغف لمعرفة المزيد، ابتدأ اليوم الأول بالتعارف و التقرب بين المشاركين و المدربين، يوم الأسئلة، و الوقوف مع الذات و معرفة ما الذي سيستفيده كل مشارك، أما الأيام الثلاثة الأخيرة، فقد مرت في الغوص في أعماق كل عنصر من عناصر التمكين على حدة، انتهت بتشكيل مجموعة تمكين ناجحة، عبر فيها كل مشارك عن بهجته و شكره و وعده بعد التدريب ليستمر في نفس المسار دون توقف، و ينتهي بشموع الأمل المضيئة، شموع ترمز إلى كون ذات كل منا شعلة، إذا اتزن اتزنت معها حياتنا و حياة المحيطين بنا

جانب آخر من الدورة التدريبية يحيلنا على المزيج الثقافي الذي تميزت به مجموعة التمكين، التقاء بين لغات ولهجات مختلفة، ثقافة أردنية وعربية وثقافة أمازيغية، كل يحاول أن يستوعب ما يقوله الآخر بكل شغف، تبادل ثقافي وحديث نوستالجي، وعلاقات تاريخية، كلها سمات ميزت أربعة أيام من السفر المشاعري، والرحلة الذاتية والبين-ذاتية. إنها لحظات من صنع مؤسسة الأطلس الكبير، تركت بصمة في قلوب وعقول وذاكرة كل مشارك على حدة
من وجهة نظري الشخصية كمشارك في التدريب، أرى أن هذه الدورة التدريبية قد ساهمت بشكل كبير في جعل المشاركين يطرحون أسئلة حول دواتهم لم تتبادر إلى أذهانهم يوما، وهم لا محالة سيجيبون عنها، وسينقلون التجربة إلى أشخاص آخرين، كل حسب استطاعته وأدواته، وبذلك أقول إن مؤسسة الأطلس الكبير لم تقدم دورة تدريبية ل 18 مشاركا فقط، بل إن العدد سيتضاعف مرات. إنني مؤمن تماما أن بناء الذات هو في حد ذاته جزء من بناء المجتمع، بناء رصين، يسود فيه حب الفرد لنفسه وحبه للآخر، ومن ثمة حبه للأرض التي يعيش فيها، وسيعمل بكد وحتى آخر رمق في سبيل الحفاظ على أمانة الأرض، على أمانة الكوكب الذي تغرز فيه السيوف عوض أن تغرس فيه قيم التنمية المستدامة
فكرة تمكين الرجل إذن، بدت غريبة في البداية وأصبحت في نهاية التدريب فكرة مشروع سيكون له نجاح وسيترك أثرا إيجابيا داخل المجتمع وسيستفيد منه الكثيرون، وينتقل من خلاله التفكير من العشوائية إلى النظام، ومن الكلام إلى الفعل. وسيساعد الشباب خصوصا على الخروج من حالة التيه إلى التوازن. وبذلك سيبني نفسه ويترك أثرا على مجتمعه