حضرة رئيس التحرير المحترم،،
تحيّة طيّبة وبعد،،
يسعدني أن أشارككم قصة عن أصول مؤسسة الأطلس الكبير وتجربتي معها كمتطوعة في فيلق السلام. لقد انبثقت مؤسسة الأطلس الكبير من مؤسسها يوسف بن مئير كتجربة متطوع آنذاك في فيلق السلام قادما ً من مدينة نيويورك حيث تمّ تعيينه لقرية جبلية نائية تصارع الفقر والجفاف في جبال الأطلس الكبير في التسعينات من القرن الماضي..
ويرتكز عمل المؤسسة على مبادئ المشاركة المجتمعية التي تقحم مستفيدين في عملية استلام واستخدام المساعدات بشكل فعال. هذا توافق تامّ مع فيلق السلام الذي يشرك أمريكيين من خلال العيش والعمل في هذه المجتمعات.
إن العالم الذي نعيش فيه اليوم يحتاج إلى معرفة ودعم مبادرات من هذا القبيل.
وتفضّلوا قبول فائق الإحترام،،
ليليام ثومبسون
lillianthompson2005@yahoo.com
—-
إرث خدمة فيلق السلام في المغرب
بقلم ليليان تومبسون
منذ وصول أول مجموعة من متطوعي فيلق السلام في المغرب في عام 1963، خدم أكثر من 5.000 أمريكي كجزء من تشاركيّة المؤسسة مع الدولة لتطوير مجتمعات ريفيّة من خلال التعليم والمبادرات التطوعية المماثلة.
وبالنسبة للعديد من متطوعي فيلق السّلام، يمثّل هذا رحلة مادية وفكرية وعاطفية إلى المجهول الذي يمكن أن يتضاعف بشعور نقص الإنجاز، وذلك بسبب عدم القدرة على إدراك مساهمتهم في استمرار عملية التنمية القطرية الناشئة والتزام فيلق السلام طويل الأجل لهذه المهمة. “لماذا أنا هنا؟” و “لماذا كنت هناك؟” هي أسئلة يمكن أن تُطرح لتكون شيئا ً من إمتناع متطوعي فيلق السّلام.
بعد أن خدمت سابقا في أوروبا الشرقية، أرسلت في عام 2010 إلى المملكة المغربيّة كمتطوّعة للعمل في فيلق السّلام مع يوسف بن مئير، متطوّع بيئي مع فيلق السّلام من عام 1993 – 1995 والرئيس الحالي لمؤسسة الأطلس الكبير التي أصبح عمرها خمسة عشرة سنة العام الماضي.
تختلف خدمة متطوعي فيلق السلام العائدين (RCPV) عن خدمة متطوعي فيلق السّلام (PCVs) في أنها تركز على
مشروع وهناك تتبّع أكثر كثافة لمهام المتطوعين. تركزت مهمتي أنا على تنمية المنظمات غير الحكومية وعملت جنبا إلى جنب مع موظفي مؤسسة الأطلس الكبير HAF) ، ولا سيما نبيلة جابر (المدرجة هنا في صورة إجراء لقاء تشاركي في قرية جبلية في سلسلة جبال الأطلس الكبير)، منسقة مركز توافق المجتمع والتنمية المستدامة في كلية القانون والإقتصاد والعلوم الاجتماعية في جامعة الحسن الثاني بالمحمدية.
كان يوسف بن مئير يدرّس في جامعة الأخوين في إفران عندما وصلت البلاد. كان لي الشرف التحدث معه في مطبخه (الذي كان يحتوي على عيّنات مغربيّة من جميع الأطعمة !) حول التنمية التشاركية. وخلال وجبة عشاء طاجن مع دجاج تعرّفت على قصته وعلى قصة مؤسسة الأطلس الكبير التي أسسها متطوعو فيلق السلام العائدون (RPCVs)، بما في ذلك هو نفسه، الذي خدم في المغرب. انها قصة الحب والإلتزام من جانب متطوعي فيلق السّلام (PCVs)- تجاه بعضهم البعض، نحو المغرب وفيما يتعلق ب”أهداف فيلق السلام الثلاثة “- وشهادة على خدمة فيلق السلام التي لها تأثير دائم ولديها القدرة على النقل.
بعثة فيلق السلام “(تضاف مع صور) * لمساعدة شعوب الدول المهتمة في تلبية حاجتهم للرجال والنساء المدربين |
في عام 1993 تم تعيين يوسف لبقعة تختلف اختلافا ً كليّا ً عن مدينة نيويورك، من حيث جاء – قرية جبلية نائية فيمنطقة الأطلس الكبير في المغرب. هناك كان يعمل لحساب منتزه وطني وتعلم كيفية النجاح في الزراعة في بيئة حيث المياه تساهم أكثر في تآكل التربة من نموّ المحاصيل.
وبعد أن أنهى خدمته وقد أصبح الآن رجل مشاريع إجتماعيّة متحفز بدرجة عالية، أدرك يوسف بأن مستقبله المهني يكمن في المغرب، حيث كان يعلم أنّ عليه العودة إليه لمواصلة التركيز على الزراعة الجبلية القاحلة. وعند وصوله في عام 1998، كان في استقباله في مطار محمد الخامس في الدار البيضاء المسؤول عن برنامج متطوعي فيلق السّلام العائدين (RPCV) توم أندرسون الذي عاد عند الانتهاء من المدرسة لتشغيل نادي البحارة في الدار البيضاء. وبناء على اقتراح توم، قدّم يوسف طلبا ً وحصل على منصب مدير برنامج البيئة مع فيلق السلام المغرب حيث عمل بهذه الصفة لمدة ثمانية عشر شهرا.
وقرار الأصدقاء فيما بعد في عام 2000 لتشكيل منظمة غير ربحية بدلا من الأعمال التجارية قد وضع مسار مؤسسة الأطلس الكبير (HAF) الذي استمر لتصبح مؤسسة ناجحة في جمع المغاربة معا ً كمتطوعين في فيلق السّلام (PCVs) ومتطوعي فيلق السّلام العائدين (RPCVs).
تم إنشاء مجلس إدارة أمريكي- مغربي قوي، جذب بلا شك جزءاً من جمع التبرعات خلال مناسبات في نيويورك قدّمت الثقافة المغربية إلى الولايات حيث أتاحت الحفلات الفرصة للإستمتاع بالمأكولات (بما في ذلك ضيافة سخية من الشاي بالنعناع!)، والموسيقى والفن في المملكة والمهرجانات السينمائية التي نظمتها مؤسسة الأطلس الكبير في عامي 2010 و 2011.
في عام 2003، تقدّم يوسف ومحسن تدلوي – شرقي – وهو مغربي استلم في وقت لاحق منصب مدير برنامج البيئة في فيلق السلام – بطلب ٍ لإجراء اجتماع مع مارغريت توتويلر، سفيرة الولايات المتحدة إلى المغرب، لطلب أموال للمشاريع. كانت مؤسسة الأطلس الكبير (HAF) في بداية مهمتها لزراعة أشجار الفاكهة العضوية من أجل إنتاج المحاصيل النقدية، وبذلك تساعد المجتمعات المحلية المحرومة وتساعد أيضا ً في مكافحة تآكل التربة في منطقة جبل الأطلس الكبير.
وافقت السفيرة توتويلر، التي كانت معروفة بصلابتها، على الإجتماع وإجراء ترتيبات لمشاركة العديد من خبراء الزراعة، بما في ذلك رئيس الوكالة الأمريكيّة للتنمية الدوليّة (USAID). وفي حين كان يوسف يعلم أن زراعة الأشجار هي أعمال تجارية على مستوى القاعدة الشعبيّة بكلّ معنى الكلمة – وليس ضمن إطار مشاريع واسعة النطاق التي تقوم الوكالة الأمريكيّة للتنمية الدوليّة (USAID) عادة بالإشتراك بها – كان لديه نموذج تقني حيويّ وتجاري مكرّر وكان على استعداد لإعطائه أفضل لقطة له.
وفي الختام وصف يوسف رد فعل مجتمع جبلي معين عند وصول الشاحنة الأولى من الشتلات إلى قريتهم- قال: “صرخوا لأنهم رأوا زرع شجرة كعمل من أعمال الإيمان.” “حسناً “، أجابت السفيرة: “دعونا ننشر بعض الإيمان حولها.” وقد تم تمويل المشروع خلال أسبوع! وعلى المدى الطويل، وضع هذا الحدث سابقة جديدة حيث تم منح السفيرة صندوق تقديري أخذت مؤسسة الأطلس الكبيرتستفيد منه لمشاريع أخرى (جنبا إلى جنب مع غيرها من المنظمات) في سنوات لاحقة.
وفي هذه الأيام، بدلا ً من شراء شتلات، تركز مؤسسة الأطلس الكبير على إنشاء مشاتل لأشجار عضوية. فبحلول عام 2014 حققت المؤسسة هدفها المتمثل في زرع مليون شجرة عضوية ونبتة طبية في المغرب وهي منشغلة الآن في حملة المليار شجرة التي أطلقتها والتي تشمل مبادرتها التعليمية الحديثة، بالتحديد ما يسمّى “مشروع سامي” و”بيت الحياة“، وهي خطة زراعيّة عضوية بينثقافيّة تستخدم الأراضي المجاورة للمواقع المقدسة اليهودية لصالح الأسر الزراعية الإسلامية المحلية.
وإلى جانب غرس الأشجار، تشمل مجالات تركيز المؤسسة (HAF) الآن على المياه – من حيث كفاءة الري ومصادر مياه الشرب – الطاقة النظيفة، تمكين المرأة والشباب، إنشاء تعاونيّات تجارية ومبادرات مشتركة بين الثقافات والتعليم. يتم تحديد جميع المشاريع من قبل المجتمعات المستفيدة في اجتماعات ميسّرة من قبل موظفين مدربين من طرف المؤسسة (HAF) باستخدام منهجية التنمية التشاركية.
وعلاوة على ذلك، ففي حين تحصل مؤسسة الأطلس الكبير على نصف أموالها كتبرعات من الولايات المتحدة والنصف الآخر من المغرب، وذلك بمساعدة السفراء المغاربة والأمريكيين المتعاقبين وعدد لا يحصى من الآخرين الذين يؤمنون بالشراكة بين الثقافات، فقد حوّلت المؤسسة تركيزها نحو أحداث ومناسبات تهدف إلى جذب وتعزيز الشراكات. وقد شملت هذه إستقبالات عقدت في مقر اقامة السفير الأمريكي في الرباط وفي آكريش جنوب مدينة مراكش، والموقع التجريبي لمشروع بيت الحياة.
ومنذ عام 2009 (قبل عام من وصولي إلى المغرب) عندما أنشأت المؤسسة (HAF) في المحمدية مركز لبناء توافق المجتمع والتنمية المستدامة،شرعت المؤسسة أيضا ً في عمل شراكات في أربعة جامعات أخرى.
وخلال فترة خدمتي في المغرب، ساهمت في تصميم برنامج في مركز لتثقيف وتعزيز التنمية التشاركية وأعددت أيضا المسودة الأولى لدليل التنمية التشاركية لمخاتير (زعماء) القرى المغربية وطلاب الجامعات.
وباستعادة أحداث الماضي والتأمل فيها أعتقد – علاوة ً على هذه النتائج الجديرة بالإهتمام والتي أنا ممتن جدا بشأنها – بأنّ الغرض “الحقيقي” من وقتي في المغرب، بمعنى أو بشعور قد يكون أعلى من ذلك، كان لقاء يوسف وغيرهم، مغاربة وأمريكيين، الذين يواصلون إرث خدمة فيلق السلام وترجمته إلى شيء ملموس ومفهوم. فبهذه الطريقة يبنون نماذج من الأمل والإلهام لمتطوعي فيلق السّلام (PCV) وجميع العاملين في مهنة قد تكون في كثير من الأحيان غير مؤكدة للتنمية البشرية، التي يمكن تطبيقها على نطاق أوسع غير محدّد.
وبفعل ذلك، يكون الجواب على تلك ألأسئلة المزعجة الوجودية – ‘لماذا أنا هنا؟ “و” لماذا كنت هناك؟ “- ردّاً قاطعاً، وهو أن كل واحد منّا كمتطوّع يقدّم مساهمة قد لا ندركها أو نقدّرها حتى في ذلك الوقت، بما في ذلك إقامة علاقات فردية وجماعية لحسن النية بين بلدينا و- مع الإشارة إلى الهدف الثالث لفيلق السلام – خلق التغيير داخل أنفسنا كأمريكيين يتوصّلون إلى فهم وتقدير الثقافات المتنوعة.
__________________________________
تقاعدت السيدة ثومبسون في عام 2015 من وكالة الولايات المتحدة الأمريكية الإتحادية لإدارة الطوارئ ، حيث استخدمت أساليب التخطيط التشاركي لمساعدة المجتمعات في خططهم للإنعاش في أعقاب الكوارث. لقد عاشت في خمسة بلدان، وتذوّقت تحديات ومكافآت العيش بين الثقافات. تعيش السيدة تومسون حاليا في سانت لويس، ميسوري، الولايات المتحدة الأمريكية.
__________________________________________________________________
مصدر البيانات في الفقرة الأولى: https://morocco.usembassy.gov/peacecorps.html
الصور: 1) قرويون ينقلون المياه في مجتمع خارج المحمدية في عام 2010، 2) قرية جبليّة واقعة في جبال الأطلس الكبير قرب مراكش 3) ليليان مع يوسف وأعضاء في مؤسسة الأطلس الكبير: سوزان، مريم ونبيلة في الدار البيضاء 4) نبيلة تيسّر عقد اجتماع للمرأة في القرية الجبليّة في جبال الأطلس العالية.