في إطار الأنشطة التي تقوم بها العيادة القانونية المحدثة بجامعة محمد الأول، وفي سياق سلسلة الورشات التي يستفيد منها طلبة العيادة ضمن مشروع "تعزيز مشاركة المجتمع المدني والجامعة بجهة الشرق"، وبدعم من الصندوق الوطني للديمقراطية، نظمت مؤسسة الأطلس الكبير، بتعاون مع جامعة محمد الأول والعيادة القانونية بكلية الحقوق بوجدة، ورشة تدريبية حول موضوع: "حقوق والتزامات المهاجرين بالمغرب"، وذلك بتاريخ 13 ماي 2025، من الساعة التاسعة صباحا إلى غاية الثانية بعد الزوال.
وقد أطر الورشة الدكتور حميد أربيعي، الذي تناول خلالها العلاقة بين القانون الداخلي والدولي، وأكد على مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية، مع تسليط الضوء على أبرز حقوق الأجانب بالمغرب.
استهل الأستاذ المؤطر الورشة بتقديم عام حول موضوع حقوق الأجانب والمهاجرين، مبرزا الطابع المتشعب لهذا الموضوع، لكونه حاضرا في نصوص قانونية متعددة، وطنية ودولية، فضلا عن كونه محل اجتهادات قضائية متنوعة. وأكد على أن المغرب باعتباره طرفا مصادقا على عدد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، ملزم بملاءمة تشريعاته الداخلية مع مضامين هذه الاتفاقيات، خاصة أن المقتضيات الأساسية لهذه الاتفاقيات تقتضي إدماجها في المنظومة القانونية الوطنية.
وانطلاقاً من ذلك، أشار الأستاذ على ضرورة إدراج هذه الالتزامات في الوثيقة الدستورية، باعتبار المرجع الأسمى والأعلى في الهرم القانوني. الدستور، حسب الأستاذ، هو الوثيقة المعيارية الأولى التي يجب أن تتضمن في طياتها منظومة حقوق الإنسان، وأن تنضم بذلك إلى جانب الدساتير التي تنص على كونية وشمولية حقوق الإنسان وتفي بالتزاماتها الدولية.
ودائما في إطار حقوق الإنسان نخص بالذكر هنا حقوق والتزامات المهاجرين كجزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان، حيث نتحدث بالتحديد هنا عن حقوق والتزامات المهاجرين، ومن هنا فالمشرع المغربي لا يتحدث عن المهاجر بقدر ما يتحدث عن الأجنبي بحيث أنه ثلة من التشريعات انصبت على مصطلح الأجنبي بدل مصطلح المهاجر في التشريع الوطني الداخلي.
وجدير بالذكر، حسب آخر الإحصائيات، أن عدد المهاجرين بالمغرب لا يتعدى خمسين ألف مهاجر، وعليه فالمغرب وكما أشرنا سابقا منخرط في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان عبر توقيع مجموعة من الاتفاقيات، لاسيما أنه جعلها تسمو على التشريعات الوطنية ولكن ذلك بشروط معروفة منصوص عليها في ديباجة الدستور. كما أنه على الدولة أن تلائم تشريعاتها الوطنية مع مضامين هذه الاتفاقيات، ويجب الإشارة إلى أن الاتجاه القضائي الذي كان يقر بسمو الاتفاقيات الدولية بعد دستور 1996 كان يستند إلى ديباجة الدستور التي تنص على سمو هذه الاتفاقيات.
وقد توقف الأستاذ في هذه الفقرة عند القيمة القانونية التي تحظى بها ديباجة الدستور، مبرزاً أن القضاء الدستوري المغربي كثيراً ما استند إليها في أحكامه. ومن بين أبرز المستجدات التي جاء بها دستور 2011، أن البرلمان كمؤسسة تشريعية أصبح يصادق على الاتفاقيات الدولية، حيث تستلزم الموافقة عليها بقانون يُنشر في الجريدة الرسمية، دون أن تخضع هذه الاتفاقيات للنقاش البرلماني قبل مصادقة الملك عليها.
وفي سياق آخر، أشار الأستاذ إلى أهمية الفصل 30 من الدستور، ولا سيما الفقرات 3 و4 و5، التي يمكن أن تشكل سنداً قانونياً يتيح للأجنبي الترافع من أجل التمتع بالحريات الأساسية المعترف بها للمواطنات والمواطنين المغاربة، وفق ما ينظمه القانون وضمن شروط محددة، في انتظار صدور قانون مستقل يحدد شروط منح اللجوء وكيفية ضمان هذا الحق الدستوري.
كما نُشير إلى أن اتفاقية حقوق المهاجرين تعد من أقل الاتفاقيات الدولية تصديقاً، إذ لم تصادق عليها أي دولة أوروبية أو أمريكية صناعية نظراً للالتزامات الثقيلة التي تتضمنها. وتعتبر دول الجنوب، ومن ضمنها المغرب، من أبرز الدول المصادقة عليها.
ومن الدروس المستخلصة من هذه الاتفاقيات، تبرز حقيقة أن الحقوق ليست مطلقة؛ إذ كثيراً ما ترد عليها استثناءات، مما يستدعي استمرار النضال الحقوقي والترافع القانوني لضمان تفعيلها.
وفي ما يتعلق بحرية المعتقد، فإن هذا الحق يقتضي تمكين الفرد من اختيار دينه أو معتقده بحرية، إلى درجة أن بعض الدول تعتبر أن اللادينية أو الإلحاد تمثل في حد ذاتها عقيدة، ويكفل القانون حرية تغيير هذه القناعات. كما أن للآباء الحق في تربية أبنائهم وفقاً لمعتقداتهم. وينطبق هذا الحق كذلك على المهاجرين، الذين ينبغي أن يُكفل لهم حق ممارسة شعائرهم الدينية بحرية. إلا أن بعض التشريعات الوطنية في دول أوروبية، كفرنسا مثلاً، تتعارض مع هذا المبدأ، إذ تجرم ارتداء الرموز الدينية في أماكن معينة، مما يثير تساؤلاً حول مدى ممارسة هذا الحق عملياً. وفي المقابل، يضمن المغرب للأجانب حرية ممارسة شؤونهم الدينية، حيث لا يفرض على التلاميذ المسيحيين دراسة مادة التربية الإسلامية على سبيل المثال في احترام لحرية المعتقد.
أما في مجال العمل، فبعض المهن الحرة، كالمحاماة، ما زالت مقصورة على المواطنين المغاربة. غير أن هناك اتفاقية ثنائية بين المغرب وفرنسا تسمح لمواطني البلدين بمزاولة مهنة المحاماة في كلا البلدين، إلا أن هذه الاتفاقية حالياً مجمدة، خاصة من الجانب الفرنسي، نظراً لعدم استيفاء العديد من الشروط. كما أن تعريب القضاء ومغربته أدى إلى تعقيدات إضافية تتعلق بإشكالية اللغة، حيث تفرض فرنسا بدورها شروطاً صارمة في ما يخص إتقان اللغة الفرنسية، إلى جانب الإلمام بالقانون الفرنسي والأوروبي.
وفيما يتعلق بحق العمل / حق الشغل، فإن الأجانب الذين يرتبطون مع المغرب باتفاقيات ثنائية يتمتعون بوضع قانوني يساويهم مع المواطنين المغاربة من حيث الحقوق المهنية. ومع ذلك، فإن وضعية اللاجئ السياسي في المغرب لا تمنحه امتيازًا خاصًا أو حصانة مطلقة، إذ لا تزال هذه الوضعية تتسم بالغموض وتواجه العديد من التعقيدات القانونية والإدارية.
أما فيما يخص التجارة، فإن الأجنبي المقيم في المغرب بطريقة نظامية يتمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها التاجر المغربي. وبالنسبة للحق في الحصول على المعلومة، نص القانون رقم 31.13 على أحقية الأجنبي في الولوج إلى المعلومات، شريطة أن يكون مقيماً في المغرب بطريقة قانونية.
وفي نفس السياق، تم توحيد نموذج عقد الشغل الخاص بالأُجراء الأجانب، كما فُتحت بعض المهن الحرة أمام الأجانب/ المهاجرين، مثل الطب، والقبالة، والترويض الطبي، شريطة التوفر على وضعية إقامة قانونية. كما سُمح لهم بالمشاركة في مهن العمل الاجتماعي ذات الطابع التعاقدي.
ومن ناحية الاستثمار، تضمن قانون الاستثمار عدداً من الضمانات الموجهة لتشجيع المستثمرين الأجانب، بما يكرس حقوقهم الاقتصادية ويضمن لهم الطمأنينة القانونية.
وفيما يتعلق بوضعية الأجانب داخل المؤسسات السجنية، فقد أدخل القانون رقم 23.10، المستلهم من قواعد نيلسون مانديلا، بعداً إنسانياً وحقوقياً مهماً، لا سيما في ما يخص المعتقلين الأجانب، الذين يُكفل لهم الحق في إخبار قنصلية بلادهم، واستقبال الزيارات، وممارسة شعائرهم الدينية بحرية.
وقد أشار الأستاذ كذلك إلى الدور المتطور لمؤسسة وسيط المملكة، التي عرفت تطورا من ديوان المظالم إلى مؤسسة الوسيط، حتى على مستوى الاختصاص، حيث أسهمت في رصد عدد من الخروقات التي تمس بحقوق الأجانب، وأصدرت بشأنها توصيات تهدف إلى تعزيز حماية تلك الحقوق.
وفي ختام الورشة، ناقش الأستاذ مع الطلبة مجموعة من الاجتهادات القضائية من بينها قرار محكمة النقض، الغرفة الجنائية ملف تسليم، قرار عدد 734 الصادر بتاريخ 15 غشت 2012، سيليفان ك، مجلة قضاء محكمة النقض، عدد 80، ص 456؛ المنشور كذلك في مجلة القضاء الجنائي، عدد 7-8، 2018، ص.143. وقد خلص القرار إلى أن صفة لاجئ سياسي، وإن كانت تمنحه وضعا قانونيا خاصا يستفيد بمقتضاه من الحماية الدولية، فإن ذلك لا يعني بتاتا أنه أصبح يتمتع بحصانة مطلقة من المساءلة، حيث لا يجوز تسليم اللاجئ إلى الدولة التي فر منها، غير أنه يكون مسؤولًا جنائيًا عن الجرائم التي يرتكبها بعد حصوله على اللجوء، ويجوز متابعته وتسليمه بشأنها وفقًا للقانون.