العنف ضد النساء في المغرب: القوانين تحميك.. فكيف تطالبين بحقوقك؟
يعتبر العنف ضد النساء من أكثر الانتهاكات شيوعا لحقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم، ولا يقتصر على فئة اجتماعية أو ثقافية معينة، بل يمس النساء في مختلف الأعمار والطبقات. وفي المغرب، رغم الجهود القانونية والمؤسساتية المبذولة لمواجهة هذه الظاهرة، لا تزال العديد من النساء يعشن في صمت تحت وطأة العنف، سواء داخل الأسرة أو في الفضاء العام.
لقد شكل صدور القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء خطوة مهمة في اتجاه الاعتراف بحقوق النساء القانونية والإنسانية، من خلال تجريم عدد من الأفعال وتوفير آليات للحماية. لكن الواقع يكشف أن وجود النص القانوني لا يكفي وحده، إذا لم تكن هناك معرفة كافية به، وإرادة للمطالبة بتطبيقه.
نظرا لعملنا في الجهة الشرقية من المغرب وسعينا لإيصال صوت المجتمع المدني والفئات في وضعية هشة، فإننا نسلط الضوء على بعض المؤشرات الدالة على حجم الظاهرة. فقد أفادت مذكرة صادرة عن المديرية الجهوية للمندوبية السامية للتخطيط بجهة الشرق أن 65.4% من نساء الجهة تعرضن، في مرحلة ما من حياتهن، لشكل واحد على الأقل من أشكال العنف.
وأبرزت المذكرة، التي تناولت نسبة النساء المتراوحة أعمارهن بين 15 و74 سنة ممن تعرضن لفعل عنف واحد على الأقل خلال مرحلة ما من حياتهن، أن نسبة الانتشار تبلغ 65.4%، مع تسجيل تفاوت بين الوسطين الحضري والقروي، حيث بلغت النسبة 66.9% في الوسط الحضري مقابل 61.6% في الوسط القروي. ويُعد العنف النفسي الشكل الأكثر شيوعًا بنسبة 53.8%، يليه العنف الجسدي بنسبة 23.5%، ثم العنف الجنسي بنسبة 9.8%.
وفي هذا السياق، تأسست عام 2011، شبكة مراكز الاستماع والتوجيه القانوني، والتي تضم 12 مركزًا وجمعية موزعة على أقاليم الجهة (وجدة، بركان، جرسيف، تاوريرت...)، وتستقبل سنويًا مئات الحالات؛ إذ قدمت خلال سنة 2019 خدماتها لـ1147 حالة، منها 568 حالة في مدينة وجدة، وكانت أغلبها مرتبطة بالعنف الزوجي. وتضطلع هذه الشبكة بمهام متعددة تشمل الاستماع والمرافقة القانونية والنفسية، والتوعية المجتمعية بشراكة مع جهات قضائية وإعلامية، فضلًا عن الترافع لدى السلطات التشريعية.
من هذا المنطلق، يُطرح سؤال جوهري يستدعي التأمل: إذا كانت القوانين موجودة لحمايتك، فما الذي يمنعك من المطالبة بحقوقك؟ وكيف يمكن تفعيل هذه الحماية في الحياة اليومية للمرأة المغربية؟ وفي هذا السياق، اعتمد البحث الوطني الثاني حول العنف ضد النساء، المستند إلى مقتضيات القانون 103.13، تصنيفًا دقيقًا لأشكال العنف:
- العنف الجسدي: كل فعل أو امتناع بمس، أو من شأنه المساس بالسلامة الجسدية للمرأة. أيا كان مرتكبه أو وسيلته أو مكان ارتكابه.
- العنف الاقتصادي: كل فعل أو امتناع عن فعل ذي طبيعة اقتصادية أو مالية بضر أو من شأنه أن يضر بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمرأة.
- العنف النفسي: كل اعتداء لفظي أو إكراه او تهديد أو إهمال أو حرمان سواء كان بعرض المس بكرامة وحريتها و طمانينتها، أو بغرض تخويفها أو ترهيبها.
- العنف ضد المرأة: كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس يترتب عليه ضرر جسدي او نفسي أو اقتصادي للمرأة.
- العنف الجنسي: كل قول أو فعل أو استغلال من شأنه المساس بحرمة جسد المرأة الأغراض جنسية أو تجارية، أيا كانت الوسيلة المستعملة في ذلك.
الإطار القانوني: القوانين التي تحمي النساء
شكل القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء ثورة في الترسانة القانونية المغربية، حيث أرسى إطارا قانونيا شاملا لمناهضة كافة أشكال العنف الموجّه ضد المرأة.
ويهدف هذا القانون، الذي دخل حيز التنفيذ في شتنبر 2018 إلى توفير الحماية القانونية للنساء ضحايا العنف، من خلال أربعة أبعاد، تهدف إلى ضمان الوقاية والحماية وعدم الإفلات من العقاب والتكفل الجيد بالضحايا.
ويمكن تلخيص حصيلته المرحلية في صدور مجموعة من الأحكام القضائية الصادرة في قضايا العنف ضد النساء تعاقب على العنف النفسي، وتجمع بين أكثر من تدبير للحماية، كمنع المحكوم عليه في قضية عنف زوجي من الاتصال بالضحية أو الاقتراب من مكان وجودها أو التواصل معها بأي وسيلة لمدة سنة من تاريخ تبليغه هذا القرار والحكم عليه بالخضوع خلال مدة سنة لعلاج نفسي ملائم.
وتواكب الوزارة تنفيذ مقتضيات هذا القانون ومرسومه التطبيقي رقم 2.18.856، الذي يتضمن مقتضيات تنظيمية تخص آليات التكفل بالنساء ضحايا العنف، وذلك في سياق تعزيز الإطار التشريعي لتحديد شروط تقديم خدمات التكفل بالنساء ضحايا العنف
يهدف القانون رقم 103.13 إلى مكافحة العنف ضد النساء من خلال تجريم مختلف أشكاله (الجسدي، النفسي، الجنسي، والاقتصادي)، وتوفير الحماية القانونية للضحايا، وتشديد العقوبات على المعتدين، إضافة إلى إحداث خلايا دعم ومواكبة داخل المؤسسات الأمنية والقضائية. كما يسعى إلى رفع الوعي والوقاية من العنف عبر التربية والتثقيف.
دور الشرطة والقضاء في حماية النساء ضحايا العنف في المغرب
يواجه المغرب، مثل العديد من الدول، تحديات كبيرة في مكافحة العنف ضد المرأة، رغم التقدم التشريعي والمؤسسي في السنوات الأخيرة. يلعب كل من جهاز الشرطة والقضاء دورا أساسيا في توفير الحماية للضحايا وضمان محاسبة الجناة، لكن التطبيق الفعلي لا يزال يواجه معيقات اجتماعية وقانونية.
دور الشرطة في حماية النساء ضحايا العنف:
- تلقي الشكاوى والتدخل السريع : يفترض أن تتعامل الشرطة مع بلاغات العنف ضد المرأة بجدية، وفقا للمادة 21 من قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الذي يلزم الموظفين العموميين (بما فيهم الشرطة) بالإبلاغ عن حالات العنف.
- وحدات شرطية متخصصة في بعض المدن (مثل خلايا التكفل بالنساء والأطفال) لكنها غير منتشرة في كل المناطق.
- الحماية المؤقتة : يمكن للشرطة اتخاذ إجراءات وقائية مثل منع الجاني من الاقتراب من الضحية، لكن تطبيق هذه الإجراءات غير منتظم.
المرجع: دراسة ميدانية للمركز المغربي لحقوق الإنسان حول تطبيق قانون 103.13 .
دور القضاء في حماية النساء ضحايا العنف
- المادة 1-444 من قانون المسطرة الجنائية: تسمح للجمعيات المدافعة عن حقوق النساء بتقديم شكاوى نيابة عن الضحايا.
- العقوبات: تتراوح بين الغرامات والسجن (مثلاً، التحرش الجنسي يعاقب عليه بـ 6 أشهر إلى 3 سنوات سجن).
إجراءات الحماية القضائية:
- أوامر الحماية : يمكن للقاضي إصدار أمر يمنع المعتدي من الاتصال بالضحية أو الاقتراب منها.
المرجع: المادة 5 من قانون 103.13.
يُعتبر العنف ضد النساء انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، وعائقًا كبيرًا أمام تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية. ورغم الجهود المحلية والدولية المبذولة لمكافحته، لا تزال هذه الظاهرة مستمرة، بفعل الثقافات الذكورية، والتقاليد البالية، وضعف القوانين في بعض المجتمعات. لذا، تبرز الحاجة إلى تعزيز التشريعات الرادعة، وتوعية المجتمع بخطورة هذه الآفة، إضافة إلى تمكين النساء اقتصاديًا واجتماعيًا لمواجهة العنف.
كما أن مسؤولية القضاء على العنف لا تقع على عاتق الحكومات وحدها، بل تتطلب تضافرًا جماعيًا من الأفراد، والمؤسسات، والمنظمات، من أجل خلق بيئة آمنة تحترم كرامة المرأة، وتعزز قيم التسامح والمساواة. فبناء مجتمع خالٍ من العنف يبدأ باحترام حقوق المرأة، لأنها أساس تقدم الأمم وازدهارها.
معًا، نستطيع كسر جدار الصمت، وبناء مستقبل يُكرّس العدل والاحترام للإنسانية جمعا.
تم إنجاز هذا المقال في إطار حملة التوعية القانونية التي يقودها طلبة الدفعة الأولى المشاركين في برنامج العيادة القانونية بوجدة، في إطار برنامج "تعزيزالمشاركةبينالمجتمعالمدنيوالجامعة-جهةالشرق"، الذي تنفذه مؤسسةالأطلسالكبير والممول من الصندوق الوطني للديمقراطية (NED). ويهدف البرنامج إلى تعزيز التعاون بين الجامعات ومنظمات المجتمع المدني، وتزويد الطلبة بالمهارات العملية لمعالجة القضايا الاجتماعية والقانونية وتعزيز الوعي المجتمعي بجهة الشرق. المحتوى يعكس وجهة نظر الكاتب ولا يُمثّل بالضرورة موقف الجهات الداعمة أو المنفذة.